في بداية شهر مارس (آذار) عام 1898، كان عالم المصريات الفرنسي فيكتور لوريه -مدير مصلحة الآثار المصرية في ذلك الوقت- يقضي إجازة استجمام وراحة في أسوان، عندما تسلَّم برقية عاجلة من مساعده يوسف أفندي، يُخبره باكتشاف مدخل مقبرة جديدة في وادي الملوك بالأقصر! توجّه لوريه إلى الأقصر ليُشرف بنفسه على الكشف الجديد المحتمل. وبالفعل بدأ العمل يوم 9 مارس من العام نفسه، بمساعدة مفتشي الآثار المحليين حسن أفندي حسني، وصبحي عارف، وسرعان ما تم الكشف عن مقبرة ملكية جديدة، وهي مقبرة الملك أمنحوتب الثاني (1427-1401 قبل الميلاد)، وتم إعطاء المقبرة رقم «KV 35»، والحرفان اختصار لكلمتي «Kings Valley» أي وادي الملوك. لم يكن الكشف عن مقبرة ملكية جديدة في ذلك الوقت هو الشيء المميز، ولكن أن تحتوي هذه المقبرة على مومياء صاحبها سليم داخل تابوته، محاط بباقة من الزهور الجافة! كان هذا هو الشيء الفريد والنادر. وللعلم تُعدّ مومياء الملك أمنحوتب الثاني هي الوحيدة الملكية التي عُثر عليها داخل مقبرتها، وفي تابوتها، وذلك قبل الكشف عن مقبرة توت عنخ أمون بنحو ربع قرن من الزمان. وإلى يومنا هذا لم يعثر على مومياء ملك في مقبرته وداخل تابوته المخصص له سوى أمنحوتب الثاني وتوت عنخ أمون، وذلك في وادي الملوك بالأقصر. وتكرر هذا الأمر في تانيس عندما تم الكشف عن المقابر الملكية لفراعنة عصر الانتقال الثالث هناك.
نعود إلى وادي الملوك، وإلى فيكتور لوريه، الذي كان على موعد مع مفاجأة أكبر من العثور على مومياء أمنحوتب الثاني؛ حيث لاحظ لوريه ومعاونوه أن هناك جداراً حجرياً يسد إحدى حجرات المقبرة المنحوتة بالكامل في صخر الجبل بوادي الملوك! وبمجرد إزالة الجدار عثر لوريه على مومياوات وتوابيت وصناديق ومراكب خشبية وتماثيل جنائزية... كنز أثري حقيقي لم يكن يحلم به، لكنه كان بالفعل على موعد مع القدر الذي سيُخلد اسمه مع أسماء أعظم المكتشفين في العالم.
كان من الواضح أن تلك المومياوات لملوك وملكات من عصر الدولة الحديثة، تمت إعادة دفنهم عن طريق كهنة أمون خلال عصر الأسرة الـ21 داخل مقبرة أمنحوتب الثاني. وتمت إعادة الدفن على عجل؛ حيث جرى تبادل توابيت الملوك؛ فتابوت رمسيس الثالث المُعاد استخدامه من تابوت سيتي الثاني، وهكذا! عشر مومياوات ملكية إضافية جرى كشفها داخل المقبرة التي أطلق عليها لوريه اسم «الخبيئة المنسية»، وعندما وقعت عيناه على الكنز الأثري المذهل ظل يصرخ داخل المقبرة فرحاً، ويقول: «لقد انتصرنا، لقد انتصرنا». وإلى يومنا هذا لا يمكن تفسير ما قاله لوريه لحظة الكشف، فعلماء الآثار عادة لا ينطقون بشيء عند لحظة الكشف، ولعلنا نذكر أن اللورد كارنانفون، ممول الكشف عن مقبرة توت عنخ أمون، ظل يصرخ في هيوارد كارتر وهو يسأله ماذا ترى؟ ماذا ترى؟ بينما كارتر ينظر من خلال فتحة في سدة مدخل مقبرة توت عنخ أمون إلى الكنوز المكدسة، ولا ينطق بكلمة، وأخيراً قال كلمتين فقط: «أشياء جميلة». بمجرد انتشار خبر الكشف عن كنز المقبرة الملكية الجديدة بالأقصر، والمومياوات الملكية التي عثر عليها داخل المقبرة، حتى اشتعلت نار الغيرة والحسد في قلوب علماء المصريات، خاصة الإنجليز العاملين في مصر ضد زميلهم الفرنسي فيكتور لوريه، الذين حاولوا بشتى الطرق التقليل من شأن الكشف تارة، أو اتهام لوريه بعدم اتباع الأساليب العلمية في الكشف عن الآثار تارة أخرى! (... وللحديث بقية).