: آخر تحديث

دروس وعِبَر من البرتغال

6
3
3

عندما يقرر الناس السفر للسياحة إلى مدينةٍ أو دولةٍ معينة دون سواها، فإنهم يأخذون في الاعتبار مجموعة من المعايير المتداخلة التي تشمل جوانب؛ أهمها: التكلفة، ومستوى الغلاء في الوجهة المقصودة (تذاكر السفر، الفنادق والإقامة، الطعام، المواصلات المحلية، الأنشطة السياحية)؛ درجة الأمان (مستوى الجريمة والانضباط العام)؛ المعالم والأنشطة السياحية والترفيهية (طبيعة، تاريخ، ثقافة، فن، تسوّق، مهرجانات، حملات ترويجية)؛ السمعة الطيبة (تعليم، إبداع، سلام، لطف وبشاشة الناس)؛ التفضيلات الشخصية (صخب، هدوء، طقس، شواطئ، جبال، سهول، فنون، تاريخ...).

وبهذا الصدد، فإن مقالي هذا أكتبه حالياً من مدينة «لشبونة» عاصمة «البرتغال»، والتي أزورها للمرة الأولى، واخترتُها لقضاء إجازتي السنوية بعد مقارنات ضمت قائمة طويلة من المدن حول العالم، ويمكنني القول بعد مرور قرابة عشرة أيام لوجودي بها؛ بأنها تمكنت من إرضائي كسائح بما وفرته لي من مزايا عديدة من ضمن المعايير المنشودة أعلاه.. والواقع أنني شاهدتُ عن قُرب نجاحين استثنائيين حققتهما البرتغال في توظيف مصادر قوتها الناعمة، أحدهما يتعلق بالسياحة، في حين يتعلق الآخر بكرة القدم. ففي مجال السياحة، تُعد البرتغال واحدة من أبرز الوجهات السياحية في أوروبا، وقد شهدت في السنوات الأخيرة نموًا كبيرًا في عدد الزوار، ما جعلها تحظى بمكانة متقدمة بين الدول السياحية الأوروبية، حيث استقبلت عام 2023 أكثر من 27 مليون زائر، وهذا يجعلها من بين الدول العشر الأكثر زيارة في أوروبا. ورغم المنافسة الشديدة، فإن البرتغال تحصد سنوياً نصيب الأسد من جوائز السياحة الأوروبية والعالمية ومن ضمنها World Travel Awards التي تُعرف بأوسكار السياحة، وكان عام 2024 قياسياً حيث حصلت فيه على 31 جائزة سياحية أوروبية و19 جائزة عالمية.

النجاح الثاني اللافت يتعلق برياضة كرة القدم ذات الشعبية الجارفة أوروبياً وعالمياً، ولطالما كانت البرتغال واحدة من القوى الكروية الصاعدة في أوروبا، ولكنها لمعت فعليًا خلال العقود الأخيرة لتتحول من منتخب واعد إلى قوة عالمية تنافس على الألقاب الكبرى. فبفضل جيل ذهبي من النجوم، وعلى رأسهم اللاعب الأسطوري كريستيانو رونالدو، استطاعت البرتغال أن تحقق إنجازات عديدة غير مسبوقة، وترسخ اسمها في تاريخ كرة القدم العالمية، وكان آخر تلك الإنجازات في يونيو 2025، وذلك بفوزها ببطولة دوري الأمم الأوروبية للمرة الثانية في تاريخها.

وفي اعتقادي أن تمكُّن البرتغال من تحقيق هذا التفوق وهذه الإنجازات السياحية والرياضية الهامة؛ برغم الفارق الكبير في إمكاناتها الاقتصادية مقارنة بدول أوروبا الغربية الأخرى، كألمانيا وفرنسا وإيطاليا، هو أمر لافت يستحق التمعن والدراسة.

ومن باب المصادفة أنه في نفس الوقت تقريباً الذي انتزع فيه المنتخب البرتغالي بطولة أمم أوروبا بجدارة واستحقاق من منتخبات تُعد الأقوى في العالم، فإن المنتخب السعودي بكل ما تم توفيره له من إمكانات، أخفق في التأهل المباشر السهل لكأس العالم.. وربما يكون من المفيد النظر للنموذج البرتغالي ونجاحاته، للخروج منه بدروسٍ مفيدة تساعد في معرفة وفهم أسباب الإخفاق الحقيقية وعلاجها.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد