أحمد الجميعة
تشير القاعدة العسكرية في الحرب إلى أنه لا يمكن تحقيق الانتصار في أي معركة من دون معرفة مسبقة بالعدو، وهذه المعرفة إما أن تكون فنية (تجسس اتصالات، مراقبة رادارات، اختراق أجهزة وحواسيب...)، أو تعاون دولي مشترك، أو تكون بواسطة تدريب عناصر استخباراتية على أعلى مستوى نفسياً وتقنياً وعسكرياً، وتجنيدهم للحصول على معلومات عن مواقع حسّاسة، وشخصيات بارزة، من خلال تسهيل تحركاتهم للعمل في مشروعات اقتصادية، أو تقنية، أو حتى مشروعات إنسانية، وتحديداً بين الأقليات العرقية في كل دولة، حيث يمثّل العنصر البشري الأهم مقارنة بالجانب الفني في العمل الاستخباراتي.
اليوم لا يمكن أن تُقدم إسرائيل على مهاجمة إيران، وضرب مواقع عسكرية بالغة الحساسية، وتصفية قيادات عسكرية من الصف الأول، وعلماء بارزين في البرنامج النووي، والأهم إلحاق الهزيمة المعنوية في اليوم الأول من الهجوم؛ من دون أن يكون هناك عمل استخباراتي فني، وآخر بشري عبر عملاء تم توظيفهم للحصول على معلومات استخباراتية دقيقة، وعملاء آخرين تم توجيههم لتنفيذ عمليات سرية على الأرض بالتزامن مع الهجوم الجوي على إيران، وفريق ثالث من العملاء المؤثرين في شبكات التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العام، وهم العنصر الأخطر في الحرب النفسية.
لقد كشفت الحرب الإيرانية الإسرائيلية عن صراع خفي آخر لملاحقة وإيقاف العملاء والجواسيس ممن يعملون في كل دولة، سواءً كان العميل يختص بالجانب المعلوماتي أو العملياتي، أو كان العميل مؤثراً في شبكات التواصل، ويتضح ذلك من البيانات الإيرانية تحديداً من القبض على عدد من عملاء الموساد، وفي المقابل كشفت إسرائيل عن خلايا تجسسية لصالح طهران.
صحيح أن العمل الاستخباراتي موجود في كل دولة، وهو عمل طويل جداً، ومكلف ومرهق، وقد يمتد لسنوات، ولكنه يبقى مجدياً في قلب موازين أي حرب، ولا يمكن منعه، وإنما الحد من تأثيراته، وكشف مؤشراته قبل وقت كافٍ من أي محاولات اعتداء محتملة، والغريب في الحرب الدائرة حالياً بين إسرائيل وإيران أن العمل الاستخباراتي بين البلدين ممتد منذ عقود، ومع ذلك بات واضحاً عمق الاختراق الإسرائيلي لإيران، ويكفي اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها شاهداً على هذا الاختراق، ويتكرر المشهد اليوم في تصفية قيادات إيرانية بارزة خلال اجتماع مشترك.
حرب الجواسيس والعملاء بين البلدين انتقلت اليوم إلى مرحلة متقدمة ليس على الأرض، أو على أجهزة الحاسوب والاتصال، ولكن في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح هذا البعد أكثر خطورة في تجنيد عملاء للتأثير في الرأي العام الداخلي في كل دولة، أو الرأي العام الدولي، ورأينا مقاطع فيديو تُظهر أجندات كل دولة، وتعليقات وتحاليل منحازة لطرف ضد الآخر، وقد يراه البعض طبيعياً، ولكن المهم أن يكون درساً مستفاداً من هذه الحرب لكل الدول، وذلك في الكيفية التي يمارس فيها بعض المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي دورهم كجواسيس وعملاء رخيصين ضد أوطانهم!.