عبداللطيف الضويحي
من أقدم وأشهر الرسائل التوعوية التي نشأنا عليها منذ الطفولة وكبرنا معها دون أن يطرأ عليها تغيير أو تطوير حتى اليوم وعلى كافة شركات الطيران تقريباً، تلك التعليمات التي يتلوها أحد أفراد طاقم الطائرة، في كل رحلة ومع كل شركة طيران، حيث يتم طلب انتباه الركاب لتعليمات السلامة وكيفية التعامل مع الطوارئ والتعامل مع انخفاض الأوكسجين وكيفية سحب ونفخ سترة النجاة الموجودة تحت المقعد والتوجه سريعاً إلى أقرب مخرج من مخارج الطائرة بعد خلع الأحذية والقفز خارج الطائرة.
أثناء متابعتي أخبار سقوط الطائرة الهندية منذ أيام وتحطمها بعد وقت قصير من إقلاعها من الهند متجهةً إلى بريطانيا، حيث نجا راكب واحد فقط من بين ركابها الـ242 بقدرة الله، تذكرت تلك التعليمات والرسائل (المعلّبة والمحنّطة) رغم أن الحادث يتجاوز تعليمات السلامة لحجمه وسرعته ومفاجأته.
لكن السؤال يبقى قائماً وملحاً حول أهمية تلك التعليمات وجدواها؟ وهل لها أي دور أو تأثير خلافاً للتأثير النفسي والمعنوي؟ فهل هناك أحد من بين الركاب يمكن أن يستفيد عملياً وفعلياً من تلك الرسائل التوعوية؟ وهل سبق لأي شركة من شركات الطيران السعودية أو غير السعودية أن وقفت على رأي الركاب وسؤالهم عن فائدة وجدوى محتوى تلك الرسائل والطريقة التي يتم تقديم تلك التعليمات من خلالها؟ وما إذا سبق وأن استفاد منها أحد من الركاب؟ وهل المقصود منها فقط تهدئة روع الركاب الذين كثيراً ما يتوتّرون أثناء ركوب الطائرة والسفر على متنها؟ هل توقيت تلك الرسائل مناسب؟ وهل مدتها كافية؟
إذا تمّت الإجابة على هذه التساؤلات من مختلف أنواع الركاب وعلى اختلاف جهات سفرهم، وبصرف النظر عن الشركات التي تقلهم، ومن مختلف الأعمار، لا بد من مراجعة محتوى الرسائل لتلك التعليمات وتحديثه وفقاً لإجابات الركاب وردودهم من مختلف خلفياتهم الثقافية والمهنية مع الأخذ بالاعتبار كل التجارب التي مرت بها الظروف الطارئة للطيران؟
أتوجه إلى المسؤولين المعنيين في الطيران الخاص الوقوف عند هذه المسألة البالغة الأهمية وإحلال أسلوب المحاكاة السريعة والتفاعلية في بيئة افتراضية (Virtual Public Simulation) باستخدام نظارات واقع افتراضي، وتقديم تجربة تفاعلية مدتها من 2-3 دقائق قبل الإقلاع، بدلاً من الأسلوب الحالي غير المفيد وغير المفهوم، وذلك للتوضيح عن قرب وتفاعلياً خطوات وإجراءات السلامة مدعمةً بالصوت والصورة الثابتة والمتحركة لما يتعلق باستخدام قناع الأكسجين للراكب وأطفاله أو سترة النجاة من تحت المقعد أو كيفية التوجه لمخارج الطوارئ مع الاختبارات التفاعلية أثناء المحاكاة.
إن الناس في مثل هذه المواقف يتصرفون تصرفات مرعبة ومخيفة وخارج المنطق نتيجة للصدمة والخوف، فمن غير الممكن ضبط سلوك وتصرف الركاب بدون تلازم وتزامن بين التوعية البصرية والسمعية الدقيقة والواقعية، وهذا لا يمكن أن يتأتى بدون توظيف فعّال للتقنية المناسبة في مثل هذه المواقف. فأغلب شركات الطيران تتوفر على ألعاب الفيديو والأفلام، بينما كلها ربما لا تتوفر على التقنية لهذا الموقف الخطير والعصيب لو حصل لا قدر الله.