لدينا أكثر من غصة ثقافية لا يحتملها العقل، لكنها مفروضة علينا اجتماعياً، وثقافياً، وسلوكياً، لأن مسألة غرس الثقافة، ونشرها، وترسيخها في المجتمع مفقودة، والأرجح يتيمة! الكلاب من دون الحاجة لتكرار خطأ القول الشائع "عزكم الله"، لأن الكلاب كائن حي، ويعتبر شريكا في الحياة، وله احاسيس مثل البشر.
يكتئب الكلب، ويفرح، ويتصرف كالأطفال حيناً، وكالكبار حيناً، فالذكاء ليس محصوراً في البشر، فالكلاب فيها الأذكياء، وفيها الرحماء، وأصحاب الشفقة، وفيها المنقذ، وأصحاب والمهارة، والإبداع، كالكلاب التي يستعان بها باكتشاف المتفجرات، والمخدرات، وتقصي الجرائم الجنائية.
على عكس الدول المتحضرة التي تهتم بنشر الوعي الثقافي في المدارس، ومؤسسات الدولة، والمجتمع، لدينا غياب تام لهذه الحملات التوعوية، لذا يمارس البعض، أو الأغلبية من الصغار، والكبار، العنف تجاه الكلاب المنزلية أو السائبة، إلى درجة الإهمال، والحرمان، وإشاعة وعي ذعري (Alarmist)! جاء ذكر الكلب، والحمار، والجمل في الشعر والأدب العربي قبل وبعد الإسلام، تعبيراً عن بيئة رحومة، وثقافة صديقة للحيوانات على حين نجد من يتلذذ في التعذيب، والتجويع بهدف التركيع، والنظر إلى هذه الكائنات الحية، والشجر، والزهور مجرد شكليات اعتباطية، وكماليات، للتباهي المادي، وبهرجة اجتماعية، وذلك انعكاساً للخواء الذهني!
أمسية جميلة حملت مبادرة ثقافية تبنتها الهيئة العامة للشباب قبل أيام بعنوان "في قلبي رحمة"، وهي عبارة عن ملتقى لجمهور محب للكلاب، والقطط، وغالبية الحضور من الشباب، والشابات، ومن المحترفين في تقديم مبادرات إنسانية، لنشر الوعي الإنساني، والتثقيف، في حياة الكائنات الجميلة، وروعتها في الحياة البشرية.
تألقت المبدعة شيخة السعدون في شرح قصتها، ومشوارها، وتجربتها مع الكلاب بعد كسر حاجز الخوف منها، وانطلاق رحلتها الرحومة مع الكلاب السائبة، لتعزيز التفاني، وغرس اخلاق غابت عن المجتمع تجاه كائنات تستحق اللفتة الإنسانية، لتزدان الحياة معها، وفيها. كانت الدعوة مذهلة، والحوار الذي تخلل الملتقى أكثر إبهاراً، لكن، للأسف، تكررت كلمات لا داعي لها، وهي "عزكم الله"، لأن الحديث ورد فيه ذكر الكلاب!
كيف يمكن غرس الرحمة، والرفق بالحيوانات، إذا ما اعتبرنا ذكرها إهانة، أو تجريحا أو تقليلا من شأن المتلقي، والمستمع للحديث عن الكلاب، والقطط السائبة؟ طبعا، ثمة تناقض شديد في الحديث، ومحاولة غرس ثقافة الرحمة، والألفة مع الكلاب، والقطط، باعتبارها من جماليات طبيعة الحياة! مبادرة الهيئة العامة للشباب التي قادتها الإنسانة الرقيقة انتصار تقي مع فريقها التنفيذي، وضيوفها تعد نواة لمحور ثقافي، وإنساني، لتصحيح مفاهيم مغلوطة في المجتمع عن الكلاب، والقطط، والشجر، والزهور، لعلها لا تكون مبادرة يتيمة، لكي تتوج في سلسلة حملات توعوية، يستفيد منها المجتمع.
رفع الله قدر جميع من ساهم في ملتقى "في قلبي رحمة"، والحوار الثري عن الكلاب، والقطط، وإبداعات إنسانية، وشكراً سلفاً لمن أدرك خطأ القول الشائع "عزكم الله"، عند الحديث عن الكلاب.