: آخر تحديث

شبكة العنكبوت الأوكرانية

4
4
3

عماد الدين حسين

ما الذي حدث في روسيا، وهل الهجوم الأوكراني غير المسبوق سيؤدى إلى تغييرات جوهرية في مسار الحرب، أم أن ما حدث مجرد «صحوة الموت الأوكرانية»؟

الرواية الأوكرانية تقول: إن العملية التي حملت اسم «شبكة العنكبوت» تم الإعداد لها منذ عام ونصف العام، حيث تم تهريب 117 طائرة مسيرة صغيرة داخل شاحنات عادية جداً عبر الحدود الشاسعة. وبداخل الشاحنات حاويات خشبية مموهة، وفيها أسقف تفتح إلكترونياً عن بعد، هذه الشاحنات وحينما وصلت قرب أهدافها المحددة توقفت جانباً خلال الليل، وانفتحت وخرجت منها الطائرات المسيرة المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما مكنها من تحديد أهدافها بدقة، ثم انطلقت في أسراب منظمة، لتوجه ضربة إلى 4 قواعد جوية روسية.

نتائج العملية على ذمة التقارير الأوكرانية تدمير أو تعطيل 41 طائرة عسكرية من بينها قاذفات استراتيجية من طراز Tu - 95 Tu ،60 وطائرات الإنذار المبكر A - 50، وقاذفات Tu22M3، وطائرات نقل عسكرية، والتقديرات الأوكرانية تقول إن 13 طائرة تم تدميرها مع خسائر مادية تصل إلى 7 مليارات دولار.

ونستمر مع الرواية الأوكرانية أو المصادر غير الرسمية، حيث تقول إن العملية أصابت أكثر من 3 حاملات صواريخ كروز الروسية، وقواعد جوية في مناطق نائية يكشف عن ثغرات كبيرة في أنظمة الدفاع الجوى الروسية، كما حدثت انفجارات في مناطق أخرى، أدت إلى تدمير جسور حيوية وسقوط ضحايا.

وفى تقدير التقارير المؤيدة لأوكرانيا فإن كييف برهنت لموسكو أنها قادرة على الوصول للقواعد العسكرية الحساسة في معظم أنحاء روسيا، بما فيها القواعد الموجودة بها الغواصات النووية. تستمر هذه التقارير في القول إن هذه الضربة كانت موجعة جداً للثالوث النووي الروسي الذي تستخدمه موسكو في استراتيجية الردع النووي. ويذهب البعض إلى القول إن ما حدث قد يطرح سؤالاً مهماً، وهو مدى قدرة روسيا على توجيه ضربة نووية لو تعرضت لهجوم.

الرواية الروسية لا تكشف الكثير، وكل ما تم إعلانه أن الرئيس فلاديمير بوتين استدعى القادة العسكريين لاجتماع طارئ، ووزارة الدفاع الروسية اعترفت باندلاع حرائق في بعض القواعد الجوية، وأنها تمكنت من صد الهجمات في مناطق أخرى. يرى البعض أن «شبكة العنكبوت» تشبه ضربة اليابان للأسطول الأمريكي في منتصف الحرب العالمية لثانية عام 1942.

الإعلام الروسي يؤكد أن مثل هذه العملية من تدبير دول أعضاء في حلف «الناتو»، وأن المخابرات الأوكرانية لا يمكنها أن تقوم بمثل هذه العملية دون مساعدات غربية، في حين قالت الولايات المتحدة إن الرئيس دونالد ترامب طلب من بوتين عدم الرد وهو أمر يصعب تصور أن تقبله موسكو.

المفارقة أنه في نفس يوم الضربة كان مفترضاً إجراء أوكرانيا مفاوضات سلام في إسطنبول. في تقديري أنه وحتى تعلن موسكو حقيقة ما حدث فإنه يصعب التحقق من صحة ادعاءات أوكرانيا التي تتحدث عن ضربة غير مسبوقة قد تغير مسار الحرب.

ثانياً: الجميع يعرف أن موازين القوى تميل بشدة لصالح روسيا، خصوصاً بعد عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض وموقفه القريب من روسيا، والنافر من أوكرانيا، وبالتالي يصعب وصف عملية واحدة مهما كانت درجة نوعيتها بأنها قاضية، خصوصاً لدولة عظمى عسكرياً مثل روسيا.

ثالثاً: أظن أن الهدف الأساسي للعملية هو تحسين شروط أوكرانيا في أي مفاوضات سلام جادة. جميعنا يعلم أن موقف أوكرانيا التفاوضي ضعيف.

روسيا تريد من أوكرانيا أن تقبل بنتائج الحرب الحالية، وألا تنضم لحلف الأطلنطي، وترامب يؤيد ذلك إلى حد ما، وبالتالي أظن أن «شبكة العنكبوت» تهدف أساساً إلى إقناع روسيا بالمرونة في التفاوض، وتثبت أن أوروبا يمكنها مساعدة أوكرانيا في عمليات نوعية ضد روسيا، وأن ذلك ليس رهناً بدعم أمريكا، لكن التحليل الموضوعي الرصين يقول إنه يفترض أن نهدأ، ونصبر قليلاً حتى نرى أثر هذه العملية على مسار الحرب الميدانية أولاً، وعلى مسار التفاوض ثانياً. النتائج السياسية هي التي ستحدد لنا: هل كانت شبكة العنكبوت فارقة أم أن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد