: آخر تحديث

رهانات جيوسياسية في زيارة ترمب السعودية

1
1
1

للمرة الثانية يستهل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، زياراته السياسية الرسمية في بداية ولايته، بالمملكة العربية السعودية.

تبقى المملكة حجر الزاوية الرئيس في هذه الجولة غير الاعتيادية، لا سيما أنها تجري في أجواء متغيرات إقليمية ودولية، متسارعة ومفصلية، تستدعيها ضرورات مختلفة، سواء ما يتعلق منها بالداخل الأميركي، أو الأوضاع في الشرق الأوسط والخليج العربي، ناهيك عن التقلبات والرهانات الجيوسياسية العالمية.

على مدى عقود طوال، ظلت الولايات المتحدة الأميركية، الوريث الشرعي للنفوذ الدولي الذي أخلته الإمبراطورية البريطانية، لا سيما بعد حرب السويس عام 1956، واليوم يبدو التساؤل: هل يشابه الحاضر الماضي؟

المؤكد أن المنطقة العربية تواكب عالماً مملوءاً بالأجندات المتنافسة، والاستراتيجيات المتصادمة والمتقاطعة الأهداف، وبخاصة في ظل حالة التعددية القطبية العالمية المتنامية، ومع ما يستتبعها من لعبة كراسي النفوذ السياسي، حيث الأولوية للمصالح المتصالحة، ما يخلق حالة من الولاءات المتغيرة.

تأتي زيارة ترمب، والعالم في معترك «سيولة جيواستراتيجية» واحتمالات مفتوحة على السيناريوهات كافة، ما بين الحرب والسلام، الرخاء الاقتصادي والشدة، التضخم والركود، الهيمنة والتعاون، والكثير من الثنائيات المتضادة.

على أن أحد التساؤلات الغاية في الأهمية: هل لم يتبق للرئيس ترمب، وإدارته الجديدة، من أصدقاء وحلفاء موثوقين، ومخلصين إلا في المنطقة العربية؟ وهل يراهن بالفعل على إحراز نجاحات حقيقية في هذه الزيارة، تعوض عن عدد من التحديات التي تواجهه في سياساته الداخلية والخارجية على حد سواء؟

يخطر لنا قبل الجواب، أن نمعن النظر في خريطة العالم، وقديماً قال زعيم فرنسا الأشهر الجنرال شارل ديغول: «اقرأ السياسة وعينك على الخرائط».

النظرة الأولية تخبرنا بأن المجال الجغرافي القريب للولايات المتحدة المتمثل في كندا شمالاً، وأميركا اللاتينية جنوباً، باتا على قدر من الاختلافات الجوهرية، والأمر نفسه ينسحب على القارة الأوروبية، التي أضحت في شك من أمر تحالفاتها التاريخية مع واشنطن.

أما بالنسبة للصين، فتظل المنافس القائم والقادم، بل الأكبر جغرافياً وديموغرافياً، في حين أحاديث المصالحة مع روسيا، تبدو وكأنها معطلة.

هذه المرة، يبدو العرب، وكأنهم «فُلك النجاة» للرئيس الأميركي على صُعد مختلفة، حيث دول شابة فتية واعدة، بخيراتها الربانية وثرواتها الطبيعية، وفي مقدمها النفط، سائل الحضارة، حتى إشعار آخر للطاقة البديلة، إشعار غالب الظن سيطول إلى أن يحين أوانه، وموقع جغرافي يتوسط العالم، كهبة إلهية.

يؤمن الرئيس ترمب بأن الرياض، كانت ولا تزال القناة الخلاقة، والجسر المتين، في التواصل مع قيصر الكرملين، وأن الدبلوماسية السعودية، وفّرت بأريحية كبيرة، أجواء رحبة من المودات لكسر حالة العداء والجمود، التي ظللت إدارة جو بايدن بين موسكو وواشنطن، وسعت بصدق وإخلاص، في رفع «سيف ديموقليس» النووي، من فوق رقاب البشرية المأزومة من جراء الحرب الروسية – الأوكرانية.

يدرك الرئيس ترمب، أن منطقة الخليج العربي، وبقية الشرق الأوسط، هي بالفعل الجائزة الكبرى، لكن بمفهوم مغاير، لمفاهيم السطوة والقوة، بل عبر رؤى التعاون الاستراتيجي، لا سيما أن العواصم العربية قد نجحت في العقد الماضي، في تجاوز إشكالية الانحياز لطرف بعينه من أطراف النفوذ الأممي، واستوعبت باقتدار مسألة ضبط المسافات، مع مراكز صناعة القرار العالمي.

هنا تبدو واشنطن، من باب الحقائق، أمام دول وشعوب تعرف مصائرها، وتقبض على مستقبل أجيالها القادمة، بقوة القابض على الجمر.

في هذا السياق، وخلال تلك الزيارة، والتي يريد الرئيس ترمب أن يُجيرها لصالح شعبيته في الداخل الأميركي، سيكون من الطبيعي للعالم العربي أن يضع سيد البيت الأبيض أمام ثوابت هذه الأمة.

في مقدم تلك الثوابت القضية الفلسطينية، التي لطالما أشارت الدبلوماسية السعودية إليها، دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني قبل 5 يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف انتهاكات إسرائيل لوقف إطلاق النار في لبنان، وهجماتها على سوريا، وتدميرها المستمر لغزة، والأهم وعلى وجه السرعة، كبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحملاته العسكرية في المنطقة.

تبدو الخلاصة الأهم التي على الرئيس ترمب أن يستوعبها، هي أن دول المنطقة راغبة في السلام، وكارهة للحرب والخصام، تتطلع إلى النماء، لا إلى سفك الدماء، لكن هذا كله لا يمكن أن تمضي به المقادير في ضوء التعنت الإسرائيلي، والعيش على حد السيف مرة وإلى الأبد.

هل ستنجح زيارة ترمب التفاعلية ذات الرهانات الجيوسياسية في تغيير شكل الشرق الأوسط في طريق المزيد من العدالة والسلام؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد