: آخر تحديث

بين طهران وغزة

5
5
5

خالد بن حمد المالك

بينما تبدي أمريكا وإيران مرونة في التوصل إلى اتفاق بشأن المفاعل النووي، ويظهران تنازلات تبعدهما عن شبح الحرب، وصولاً إلى توافق لتحقيق السلام، ومعالجة المشكلة برضا من الطرفين، يأتي الصوت الإسرائيلي متشدداً، ومطالباً بما يفشل الحوار، ضاغطاً على الولايات المتحدة الأمريكية لتكون أكثر تشدداً في تفكيك المفاعل النووي.

* *

هذا التصعيد الإسرائيلي سياسة اعتدنا عليها، وسلوك ألفناه، وحروب يمهد الطريق لها، وأجندة لا تحمل أي رغبة للسلام، وهو ما تفعله الآن في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان، مع أن الفرصة متاحة لمعالجة كل الأزمات بالحوار والجلوس على طاولة واحدة، أو عن طريق الوسطاء متى كانت هناك نيَّة للابتعاد عن استخدام الآلة العسكرية.

* *

ولا يمكن إعفاء أمريكا من المسؤولية والمشاركة في هذا التعنت الإسرائيلي، إذ إن واشنطن لو لم تساند وتعاضد وتدعم إسرائيل لما كان لتل أبيب هذا الصوت العالي الذي يهمِّش الصوت الأمريكي في إدارة الصراع بالمنطقة، ولا يجعله قادراً على أن يقف على مسافة واحدة من أطراف الخلاف، ويفرض موقفه إن سلماً وإن بالقوة الرادعة للعدو الإسرائيلي.

* *

فإسرائيل هي الدولة المدلَّلة، والمشروع الاستعماري في المنطقة، وشرطي أمريكا الذي ينوب عن أمريكا في تأجيج الصراع، مع ما في ذلك من توريط لأكبر دولة في العالم، يفترض فيها العدل، والمساواة، ودعم حقوق الإنسان، بضمير حي، وتصرف مسؤول، وعمل لا يسيء إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أو يشوِّه صورتها بأكثر مما هي عليه الآن.

* *

لسوء الحظ أن يعود الرئيس الأمريكي ترامب إلى البيت الأبيض، بينما يقود إسرائيل رئيس وزراء عنصري ودموي وقاتل هو نتنياهو، الذي لا يجد غير هذا الضغط الإسرائيلي لإدارة الصراع بالمنطقة من خلال القهر، والظلم، والعدوان، وتسريع حرب الإبادة على نحو ما يجري الآن في المنطقة، وفي عدد من دولها.

* *

كل هذا يحدث، والمنظمات الدولية، من الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، إلى المحاكم الجنائية، لا تفعل شيئاً أمام سطوة إسرائيل، واعتمادها على أمريكا، والويل لمن يصرح ضد إسرائيل، أو يقول كلاماً يغضبها، أو يتحدث بما يفعِّل الأخبار والمعلومات عن جرائمها، لأنه سيكون في القائمة السوداء لدى أمريكا، وضمن من سوف تشملهم القرارات التنفيذية لمعاقبتهم.

* *

ألم تقل واشنطن إن كل من يتعرض لليهود بنقد سوف يمنع من دخول أمريكا، وكل طالب أجنبي يدرس في جامعاتها وينتقد اليهود معرض لوقف استمرار دراسته، بل وطرده من الولايات المتحدة الأمريكية، والمقصود هنا ليس اليهود وإنما إسرائيل، حتى وإن غُلِّف هذا الموقف الأمريكي بما لا يوحي بأن هذا هو المقصود، وهذه سابقة لم تحدث من قبل، لكن واشنطن تجاهر بها الآن، وليس هناك من حرج.

* *

ومع أن إسرائيل تفوَّقت في حربها مع حماس، وحيدتها تماماً، ولم تعد قادرة على مواجهة هذا العدوان، بعد أن نفد سلاحها، وحيل دون وصول أي سلاح لها، وأصبحت محاصرة حتى من وصول الغذاء والدواء لها، فلا معابر ولا منافذ، فكل شيء تحت السيطرة الإسرائيلية، والعدو الإسرائيلي لا يزال يقتل ويشرِّد ويهدم، ولا صوت يعلو على صوته، ولا موقف إنساني يمنع حرب الإبادة، مما زاد من شهية نتنياهو لإراقة الدماء، وتحويل غزة إلى أرض محروقة غير صالحة للسكن بحسب تصريح الرئيس ترامب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد