علي الخزيم
* من أعذب أحاديث الذكريات عند كثير من الأسر استرجاع واستحضار ذكريات أيام وليالي رمضان الكريم وأعياده السعيدة، فهي تحمل بين طياتها من المواقف الطريفة والمفارقات العجيبة واللطائف الباسمة؛ كما تختزن أرقى وأجمل عبارات الحب والتحنان من الأجداد والآباء خلال الليالي والأيام الروحانية المُفعمة بالود وخليط من السعادة والأفراح والتقارب والتراحم بين الأهل والأقارب وبين أفراد الأسرة الواحدة التي تمتد إلى آخر أيام العيد المبارك.
* فإذا كنا نستمتع بهذه الذكريات الطيبة لدرجة أننا نستعذب تكرارها ونُشَنِّف أسماعنا بصدى ذكراها من الأبناء والمحيطين بنا؛ فلماذا لا نكون أثناء كل رمضان وعيد أجمل وأرقى وألطف من الموسم الذي قبله؟! فإن كانت هُنَيْهَات وسويعات الصَّفاء والنَّقاء والروحانية والتَّواد والتراحم مِمَّا نطلبه ليسعدنا خلال الشهر الفضيل ولتبقى ذكراه العطرة محفوظة بين جوانحنا: فَلِم لا نطلب الأكثر والأبقى والأقوى من روابط المودة والرحمة؛ وما يؤلف القلوب على حُسن النيات والتسامح؟
* خلال الشهر العظيم نُبادر إلى التبكير للمساجد وقراءة القرآن والحرص على النوافل؛ وهذا - بتوفيق الله سبحانه - مما يجلب الأجر ويمحو السيئات؛ غير أن أمورًا يجب أن تكون مرافقة لهذه الأعمال الواجبة والمندوبة، فالصلاة المفروضة والصيام ليس لنا عنها من محيص؛ أمَّا الأعمال التطوعية من النوافل إذا لم تُصحَب بحُسن الخُلق وسلامة القلوب وطهارة النفوس من الشوائب والعوالق المُعكِّرة للعلاقات الإنسانية بيننا وبين مَن مَعَنَا وحولنا: فيُخشَى على المرء أن تذهب أعماله سُدَىً بلا أجر!
* إذا كنا نقرأ القرآن الكريم بطريقة آلية مُتسرعة دون تَمهُّل وتَدبُّر وتمعُّن بآياته وحِكمته وقَصَصِه فلن نجني الثواب الكامل الموعود بذلك؛ وإن كنا نُسابق بعضنا البعض أيّنَا أكثر بعدد مرات خَتم القرآن خلال رمضان فهذا يضاف إلى سلبيات ما قبله؛ فلم تكن المقاصد بهذا الشكل والحجم: فحين تدخل المسجد وتأخذ المصحف بين يديك فأنت لست بمضمار سباق الجَرِي الطويل؛ ولا بحَلَبَة مبارزة مع الغَير، الهدوء والسكينة والتأمل بكلام الله - جل شأنه - من أوْلَى المقاصد حين تقف بين يَدَي رب العزة والجلال.
* مع الطمأنينة بالقراءة والتلاوة ستمُر على آية أو آيات كريمات قد لا تفقَه أو تَعِي معانيها بشكل كامل؛ أو لا تعرف سبب نزولها ومناسبتها؟ استحضر هذا بذهنك أو دَوِّنه بورقة أو على مُذكرات هاتفك المحمول ثم اجعل وقتًا للبحث والتّبَصر والتّفَكر بهذه الآيات وما غاب عن بالك من مضامينها وحكمتها وقَصَصِها، ومع الاستمرار بهذا النهج مع القرآن العظم ستجد ما أقوله مفيدًا لقلبك ووجدانك؛ ومُزوّدًا لذخيرتك اللغوية؛ ومُقَوّمًا للِسَانك وفصاحتك وبلاغة حديثك بكل مكان وزمان.
* وبزيادة التركيز والتأمل والتّفقّه بمعاني ودلالات القرآن الكريم ستجد - بعون الله - المتعة واللذة مع القرآن، وستَحل عليك السكنية والطمأنينة وتغمرك الروحانية التي كنت تفتقدها - أو بعضها - قبل هذا المَسْلَك القويم مع كتاب الله وبشَهره العظيم، فإذا ما استشعرنا هذه الحِكم والمقاصد الرمضانية ومع عيد الفطر: ألا يجدر بنا أن نكون أفضل مِمَّا كنا مَوسِمًا بعد موسم؟!