: آخر تحديث

الطبيب ابن كَلَدة على سفرة الإفطار

3
3
3

علي الخزيم

= قبل التَّعرف على رد فعل الطبيب ابن كَلَدة؛ وانطباعه الآن عمَّا يتم على سُفَر وموائد الإفطار؛ هذه نبذة موجزة للتعريف بأحد أشهر أطباء العرب لمَن لا يعرفه، فهو: الحارث بن كَلَدَة الثقفي؛ ولد بالطائف ونشأ بها؛ ولُقّب بطبيب العرب؛ كما أنه من أوائل الأطباء المسلمين إذ إنه أدرك الإسلام، كان كثير الأسفار والتنقل بين البلاد وتعلم الطب من مصادر متعددة؛ إلى جانب مهارات وفنون أخرى، لكنه اكتسب بأسفاره معارف متشعبة بالطب والدواء جعلته متفوقًا بصنعته وذاع صيته خارج جزيرة العرب، أحاط بالداء والدواء وأجاد معرفتهما حتّى أبهر كل من عرفه، وله أقوال وحِكَم طبية تُروى إلى الآن.

= أجزُم بأن ابن كَلدة وهو الطبيب العربي البارع، لو تَخَيَّلنا أنه يُدعى لمائدة رمضانية مِمَّا يُقدم الآن للإفطار والعشاء مساء كل يوم رمضاني ببلاد إسلامية: لحَكَم علينا أولًا بالجهل؛ ثم يُدرجنا بقوائم المرضى مِمَّن يعانون من أمراض مزمنة؛ وربما خرج بتقرير نهائي بأن حال الكثير مِنَّا صحيًا وطبيًا ميؤوس منها؛ وأنه - على غزارة علمه بالطب- لن يَستَحضر الدواء الناجع لعلاج تلك الحالات التي قد يُؤكّد بأنها لم تمر عليه حتى بالتّخيل والحدس؛ فكيف بها وهي واقعة أمام عينيه!

= سوف يُصعق الطبيب العربي الفَذّ ابن كلدة وهو يرى القوم يقعون على الطعام مع أذان المغرب؛ ثم يَنْفَضُّون عنه ليعودوا بعد قليل ليفْتِكُوا بمائدة تضم أصنافًا من أطعمة غير الأولى، وأكثر منها دسمًا وشحمًا ولحمًا؛ ومعجنات تضر أكثر مما تنفع! وعصائر بأصباغ متنافرة مُذابة بسكّر صناعي طاغٍ بالحلاوة الضارة لكل كائن حي، سيرفع صوته مستنكرًا ليكرر مقولته المشهورة: (أعظم الدَّاء بإدخال الطعام على الطعام؛ فإن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)، وهو القائل:(لا تقعد على الطعام وأنت غضبان؛ وارفق بنفسك يَكُن أرخى لبالك وقلل من طعامك)، وكان كثيرًا ما ينصح بالحمية الصحية.

= ومن عادات العرب منذ القدم الإقلال بالأكل ومنهجهم بهذا هو:(البطنة تذهب الفطنة)؛ فلا يكون الرجل لبيبًا فطنًا حين يُتْخِم بطنه بالطعام ولا يَنفَك عنه، ويعيبون الرجل النَّهم الأكول؛ وينصحون بطريقة (الأزم) وهي ما تعرف الآن بالحمية الغذائية؛ وهي من أعظم نصائح أشهر الأطباء بتاريخ العرب قُبَيل الإسلام وصَدره؛ وقد أقّرَّ العلم الحديث ما جاء عن الطبيب العربي الحكيم المتمكن ابن كَلدة الثقفي.

= نسمع منطق المتحدثين بالمجالس حول موضوع - أو هي قضية - الإسراف بتقديم أصناف الأطعمة خلال الشهر الكريم بما يزيد عن الحاجة بل ويضر بالصحة (وميزانية الأسرة المالية)، نتحدث كثيرًا وننفذ بالواقع القليل وبأدنى ما يجب فعله لتخطي هذه المسألة الاجتماعية المقلقة، وما مصدرها ومنشؤها سوى تتابع التقليد والتنافس بالمطابخ وتصوير ونشر ما يُقدَّم كنوع من التباهي، وأرى أن هذا النّمط الاستعراضي يَنم عن عجز دفين لا يدركه صاحبه، فالنجاح والفلاح له طرق أرقى وأسمى من تصوير مُعجّنات ومشروبات ملونة، ثم بثها على الملأ؛ ففي ذلكم قصور بالوعي وإسراف بالمصاريف غير مُبرر؛ وإهدار تدريجي للصحة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد