: آخر تحديث

«توابل» لـ«فنتازيا» أسامة المسلم

1
1
1

كان النقاش بشأن «ظاهرة» الكاتب السعودي أسامة المسلم، وجماهيريته الكاسحة مستعراً، لكنه رغم تبادل اللكمات والركلات، فَقَدَ عناصر التشويق؛ ثمة رأيٌ هنا بأن هذه الظاهرة «لم تكشف عن أن وسطنا الثقافي ما زال قادراً على إنتاج الفقاقيع السردية وإنما أيضاً على إنتاج الفقاقيع النقدية»، يقابله رأيٌ آخر، يرى عبثية النقاش مع «شخص يقول صراحة إنه لم يقرأ ومع ذلك يطلق أحكاماً متهورةً على روايات لا يعرفها، تلك والله كارثةٌ علمية وأخلاقية من مخلوقٍ (...) يجاهر بجهالته».

بين الاتهام والاتهام المتبادل بين النقاد، والآراء التي تتساءل: كيف لرئيس «جائزة القلم الذهبي» أن يكون له موقف منحاز ضد أدب «الفنتازيا» والجائزة تعتمد في صلبها على روايات الفانتازيا؟! جاء الدكتور سعيد السريحي ليعطي النقاش شيئاً من التشويق.

قال الناقد السريحي في مداخلة مصورة إن ظاهرة المسلم، حيث يتهافت الجمهور نحوه في معارض الكتب هي «ظاهرة من حقنا أن نتوّجسَ ريبة فيها»؛ لأنها لم تحدث لكبار الأدباء أصحاب الجماهيرية الطاغية أمثال: نزار قباني وأدونيس ومحمود درويش... فلماذا تحدث للمسلم...؟ ثم انتهى إلى أنه «يبلغ بنا التوجسُّ حدّاً أن نعتقد أن ثمة ما يمكن أن يكون دوراً لمكاتب التدشين التي تعين الكاتب على الانتشار باستجلاب جمهور مستأجر... يتدافعُ بدءاً ثم يتلوه بعد ذلك حركة الجمهور الذي يتدافعُ لأن ثمة تدافعاً».

قرأتُ رأياً مشابهاً لفكرة المؤامرة التي ساقها الدكتور السريحي، فبعضهم عزا هذا الإنتاج الغزير للروائي الشاب إلى مراكز خدمات المؤلفين، التي تكتب له أعماله الأدبية، وغداً سيأتي أيضاً من يقول إنه استعان بالذكاء الاصطناعي لكتابة رواياته... لِمَ لا...؟

السجال بشأن «ظاهرة» أسامة المسلم، ليس غريباً، شهدنا نظيراً له قبل عقدين من الزمان حين أصدرت الكاتبة السعودية الشابة رجاء الصانع رواية «بنات الرياض» 2005، وأحدثت صخباً، بل ربما يمكن القول إنها أحدثت زلزالاً في المشهد الثقافي السعودي، حتى قيل إنه طبع من تلك الرواية أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، ومثَّلت الرواية على بساطة أسلوبها، صدمة في الوعي أكثر منه في الذائقة الأدبية، وكشفت المستور في عالم الفتيات المحاط بالسرية والكتمان؛ ولذلك خلقت موجات تسونامي من ردّات الفعل.

لكنّ الدكتور غازي القصيبي الذي كان ذلك الوقت قد دخل عالم الرواية من خلال عدد من أعماله، أبرزها: «شقة الحرية»، و«العصفورية»، و«دنسكو» و«أبو شلاخ البرمائي»، قرأ الرواية ضمن سياقها الموضوعي، قائلاً: «تُقْدِم رجاء الصانع على مغامرة كبرى... تزيح الستار العميق الذي يختفي خلفه عالم الفتيات المثير في الرياض»، وخصص الدكتور عبد الله الغذامي سبعة مقالات نقدية، حول رواية «بنات الرياض»، وأطلق جملة مواقف مؤيدة للرواية في حوار مع جريدة «الرياض» (13 أبريل / نيسان 2006)، قال فيه: «(بنات الرياض) في ظاهرها نص بسيط، ولكني أعتقد أن البساطة الظاهرية في هذا النص تنطوي على عمق، فهي بساطة خدّاعة، والذي يراه يظنه نصاً بسيطاً يمكن كتابة مثيل له بسهولة، وهذه خدع ثقافية تنطبق على واقع العمل، فالنص معقد وإن بدا بسيطاً وتلقائياً».

بين تجربة رجاء الصانع وأسامة المسلم ثمة عناصر مشتركة؛ كلاهما واجه حملات من التشكيك والارتياب والتسقيط، وأمام توجس النخبة حقق الأديبان كلاهما جماهيرية كاسحة... لكن - برأيي - أن كلتا التجربتين عبّرتا عن زمانهما باقتدار، كلا الأديبين اقتنص الفرصة الراهنة، التي يتمرد فيها وعي المتلقي على قيود النسقيات والنمطيات القديمة، كلاهما خاطب روح العصر المتوقدة في نفوس الشباب... يمكن للبعض أن يقول إنهما «فقاعة أدبية»، وربما يصدق عليهما أنهما استجابة لوعي اللحظة، أعمالهما لن تصبح من كلاسيكيات الأدب الخالدة، وربما سيطويها النسيان خلال عقد من الزمان، ولكن يحسب لهما أنهما صنعا التأثير في زمانهما، ولم يدخلا في العتمة، والمهم أن الوقوف لهما بالمرصاد مجردة تعسف ثقافي ولي عنق الحقيقة الثقافية التي تستجيب لعصرها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد