: آخر تحديث

المستهلك هو الحل لاحتواء تداعيات الحرب التجارية

2
2
2

محمد سليمان العنقري

الحرب التجارية التي أشعلتها الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات أهم شركائها وأكبرهم مثل الصين وأوروبا وكندا والمكسيك، وجهت الأنظار نحو الحلول المنتظرة لتجاوز أثر هذه المواجهة التي لا يبدو لها نهاية واضحة، رغم أنها ورقة تفاوضية حتى اللحظة، فالأمريكيون متمسكون بهذا النهج لأنه الحل الوحيد بحسب وجهة نظر الرئيس ترامب لخفض العجز بالميزان التجاري، وفرملة نمو الدين السيادي وتقليص حجم العجز بالتالي في الميزانية الفيدرالية، إضافة لعامل مهم وهو عودة الكثير من الصناعات لأمريكا كونها معفية من الرسوم إذا أنتجت داخلياً؛ مما سيزيد من التوظيف ويعزز دور المستهلك بالناتج الإجمالي والنمو الاقتصادي حيث يشكل أثره نحو 70 بالمائة، ويبدو أن الدول المتضررة من تلك الرسوم بدأت تأخذ منحى مشابهاً في التوجه نحو التركيز على رفع دور المستهلك المحلي ليكون وازناً مهماً في أي تقليص بحجم الصادرات.

فقد أعلنت الصين عن خطة جديدة لرفع دور مستهلك بعد إعادة تقييم النظرة لآفاق اقتصادها، فهي تعتمد بشكل كبير على التصدير وتسمى مجازاً بأنها مصنع العالم، وبالحقيقة هي تنتج نسبة كبيرة مما يصنع عالمياً واقتحمت كافة المنتجات في المنافسة وآخرها تصدير السيارات، حيث أصبحت الأولى عالمياً فقد أعلن في بكين قبل أيام قليلة عن توجه لتسريع رفع دور المستهلك عبر عدة ركائز تتمثل في رفع الدخل للعاملين ودعم استقرار أسواق العقارات والأسهم حتى تبقى نشطة وتحقق منافع إيجابية للمستثمرين، وهو ما يعزز من حجم ثرواتهم وينعكس على قدراتهم الاستهلاكية بالإيجاب عبر زيادة الطلب المحلي، مع تحسين أنظمة الرعاية الصحية والمعاشات لجميع الفئات بما فيها المتقاعدون، فالمجتمع الصحي الذي يتمتع بدخل جيد للفرد والأسرة أيضاً بكل تأكيد سيساهم ذلك بنشاط اقتصادي داخلي كبير، وهو ما يتماشى مع هدف استراتيجي بأن يصل دور المستهلك الصيني إلى نسبة 50 بالمائة بالتأثير بالناتج الإجمالي ارتفاعاً من نحو 30 بالمائة حالياً؛ مما يعني أن أي حرب تجارية مستقبلاً لن تمثل ضغطاً على الاقتصاد الصيني كما هو الواقع الحالي، ولن تبتعد أوروبا عن هذا التوجه فهي تنوي خفض الفائدة لمستويات متدنية لتزيد النشاط الاستثماري والاستهلاكي في اقتصادها الذي عانى ضعفاً شديداً؛ بسبب ضربتين متتالتين الأولى تمثلت بجائحة كورونا وأعقبتها مباشرةً الحرب الروسية على أوكرانيا وما نتج عنها من تضخم وارتفاع بتكاليف الإنتاج والمعيشة في القارة العجوز كما تسمى، فالمتوقع بمجرد توقف هذه الحرب أن تبادر دول أوروبا لخطط تنعش دور المستهلك لديها الذي يمثل نسبة كبيرة من حجم نشاطهم الاقتصادي، أما كندا فهي بدأت حملات كبرى لتعزيز دور المستهلك عبر إلهاب المشاعر الوطنية لدى مواطنيها وحثهم على استخدام المنتج الكندي بعد أن وضعت أمريكا رسوماً ضخمة على المنتجات الكندية المصدرة لسوقها، فنسبة اعتمادهم على السوق الأمريكي بالتصدير الخارجي تصل إلى حوالي 70 بالمائة وهي نسبة كبيرة جداً تضع اقتصاد كندا رهينة للقرارات الأمريكية اتجاهها في معركة الرسوم الجمركية والتحول لأسواق أخرى مسألة شائكة وتأخذ وقتاً طويلاً؛ لذلك لابد من الاعتماد أكثر على الداخل في معالجة بعض آثار انخفاض صادراتها لأمريكا.

المستهلك المحلي يبقى هو الأهم والحل يأتي منه في استمرار دوران عجلة الاقتصاد، وقد يكون للرسوم الجمركية الأمريكية دور مهم في لفت أنظار أغلب الاقتصادات الكبرى بالعالم التي تعتمد على التصدير بأن تركز بالمرحلة القادمة على رفع دور المستهلك لديها وفق طبيعة كل اقتصاد وما هي الركائز التي يتم الاعتماد عليها وذلك عبر عدة طرق من بينها أن تنمي حجم الاستهلاك الداخلي والطلب المحلي برفع دخل مواطنيها وما يدعم دورهم في الطلب على المنتجات والخدمات، إضافة إلى استقطاب مستهلكين من الخارج سواء كانوا سياحاً أو مستثمرين أو عاملين وافدين، مع تسارع نمو الاقتصاد والحاجة لكوادر بشرية من الداخل والخارج كماً ونوعاً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد