محمد الرميحي
الرقم المنشور عن عدد المسلسلات التلفزيونية العربية هذا العام بين 30 إلى 35 مسلسلاً (حسب تصنيف المسلسل)، كلها تتزاحم كي تشد عين وشغف المتابع، وأيضاً من الأرقام المتوفرة حول أعلى مشاهدة للمسلسلات، الصف الأول، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، أي أن هناك الكثير منها يقع في مكان التبديد والهدر في الموارد والطاقات.
من متابعة رمضانية لعدد من المسلسلات، رغم كفاءة الأداء لدى بعض الممثلين، لا يبدو أن هناك إضافة نوعية لوعي المشاهد العربي، فهي إما صراع اجتماعي، في أغلبيته غير معقول، أو مغامرات ومسدسات ورصاص، تلك المسلسلات تضيء على الهوامش المجتمعية، لا على صلب المشكلات التي يواجهها المجتمع العربي أو القضايا الجمعية، أو يُقدم حلولاً لها، هي في الغالب تتوجه إلى الإثارة لشد المشاهد في تقديم غير المعقول وغير المألوف، فلا يستطيع المشاهد العادي أن ينتمي إلى أي من تلك السرديات، حيث إنها لا تشبهه.
المسلسلات التاريخية تثير زوابع من النقاش بين كثيرين، دون تبصر أنها مجرد رأي يقول به المؤلف أو المخرج، ويضاف إليه بهارات درامية، ولكن بسبب نقص مناعة معرفية بعض المتلقين تثار لديهم نعرات مستمدة من تاريخ سابق لا يُعرف على سبيل اليقين أن تلك الأحداث قد وقعت بالفعل، وحتى إن وقعت فهي لا تعني الزمن الذي نعيش.
يتصدى البعض من المؤلفين والمخرجين دون أدوات رافعة لديهم لتقديم مضمون له نفع اجتماعي أو سياسي أو حتى تثقيفي لتقديم زاد هزيل للجمهور العام.
بعد آخر يمكن أن نلاحظه في تلك المسلسلات أو معظمها، وهي مظاهر ازدراء المرأة العربية، فهي موضوع للإهانة والتهميش والعزل، أي تأكيد عزلتها الإنسانية، وفي بعضها تجريدها من الإنسانية أصلاً، والتعامل معها كشيء مكمل لا غير، يمكن التغرير بها فتظهر مضطهدة مأكولاً حقها وتابعة للرجل، وكأن ذلك هو السائد في العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي، أو استخدامها كأداة في التجارة المحرمة، أو شخصية شرسة ومتسلطة على أفراد أسرتها، كل هذه الصور أو معظمها ليست نمطية في مجتمعاتنا، بل سلبية.
يدرس مخرجو المسلسلات في معاهدهم على أن العنف، كقيمة فنية، مهم للإثارة والتشويق، إلا أن توظيف هذه الفكرة في كثير من المسلسلات العربية بجرعة زائدة عن الحد، ويقدم على أنه أحداث لازمة للحياة اليومية، تكرار ذلك يمكن أن يسيطر على العالم الرمزي للمشاهد، خاصة أنه يقع على جمهور متنوع الثقافات، ونسبة كبيرة منه من المراهقين.
تتوفر دراسة على الشبكة العالمية عن صورة المرأة العربية في المسلسلات العربية، أهمية الدراسة أنها أخذت عينات من كل إنتاج الدراما من الخليج إلى المحيط، ووجدت أن الدراما أكثر وسائل الإعلام تأثيراً في صنع الصورة النمطية للشخصية العربية، إلا أن الدراسة تؤكد أن الدراما في المسلسلات المدروسة، قد ألحقت الضرر بعدد من الوظائف الاجتماعية، خاصة وظيفة المرأة العربية في مجتمعها.
كما وجدت أن معدلات العنف والجريمة بين الشباب ترتفع بسبب مشاهدتهم تلك الأعمال.
حلول هذه الأزمة المكررة، لا يمكن التوصل إليها دون استخدام أدوات عقلانية لاكتشاف المشكلات الحقيقية في المجتمع العربي للإضاءة عليها وتقييمها ونقدها، بدلاً من تقديم هذه الفنتازيا والتي تضر أكثر مما تنفع!