: آخر تحديث

«الشؤون».. وعرقلتها لوصول الخير لأصحابه

6
6
5

كانت الكويت تاريخيا، بسبب موقعها الجغرافي، وكرم بعض أثريائها، إضافة لظروف تأسيسها، ونوعية من وفد لها وجعلها وطنا، كانت أكثر كرما من غيرها في تلبية المحتاج، وكان لمحسنيها أياد بيضاء في أيام الكوارث والملمات والمجاعات. ومع ظهور النفط أصبحت مركزا لأكبر تجمع من الجمعيات، المسماة بالخيرية، يفوق في عدده أية دولة أخرى، نسبة لعدد سكانها القليل. ولا شك أن عددا ممن أسسوا هذه الجمعيات، أو أشرفوا عليها، ولا يزالون على رأسها، قد حققوا لأنفسهم، وأسرهم، وحتى لأحزابهم الدينية، ثروات طائلة، دفعت الداعية المتشدد، لوصفهم بـ«الفاشينستات»!!

يعتبر شهر رمضان الفرصة الأكبر، للمتسول ولأغلب الجمعيات الخيرية، لجمع أكبر قدر من التبرعات، وبالتالي يتزايد فيه عدد المتسولين، وعدد المحتالين، إضافة طبعا للشرفاء والمخلصين في مجال عمل الخير، لغير غاية، وما أقلهم. وكان جميلا ملاحظة الإعلان الحكومي بصورة الإبلاغ عن المتسولين، ونتمنى أن يكون الخبر صحيحا!

في هذا الصدد كتب الأخ المصري «عبد الخالق فاروق»، مقالا قال فيه: نرى إعلانات تستدر الدموع وتوجع القلوب وتشعرك أن المصري بات واحدا من ثلاث، اما مريض بالسرطان، أو فقير جائع أو متشرد بلا مأوى، وإن علينا التبرع لهم وحل مشاكلهم. ولكن حين نعلم أن سعر الإعلان على قناة عربية، دع عنك أجنبية، وفي رمضان بالذات، لا يستغرق بثه أكثر من 30 ثانية، يكلف الشركة المعلنة 150 مليون جنيه، بينما تكلفته على قنوات أقل شهرة بكثير لا تقل عن 120 مليون جنيه، ستندهش، وتهز رأسك غير مصدق ولكنك ستبتلع دهشتك ومعها قرص أسبرين حينما تعلم أن قيمة تبرعات المصريين في رمضان الفائت بلغت أربعة مليارات ونصف المليار جنيه!!

فنحن أمام «تورتة، أو كاتوه» كبيرة وضخمة يتنافس ويتقاتل ويتهافت عليها الضباع، مستغلة طيبة وحب الناس لفعل الخير ومستغلة أكثر ضعف ثقافة العمل الجمعي الخيري لدى عموم المصريين. ففي العام الماضي تبرعت 15.8 مليون أسرة من أصل 18.4 مليون أسرة مصرية أي بنسبة 86 في المئة، بذلك المذكور، أي 4.5 مليارات جنيه، ومن المتوقع هذا العام زيادة التبرعات بنسبة تصل إلى النصف تقريبا، لتصل لحوالي سبعة مليارات جنيه. لكن المصيبة أن ما يتم التبرع به، عبر الرسائل التلفونية، يستقطع منه 55 في المئة لمصلحة شركة الهاتف ولمصلحة القناة صاحبة الإعلان ولمصلحة الجمعية الخيرية والعاملين عليها ولا يصل للمستحق إلا 45 فى المئة فقط مما تم جمعه، وبقليل من الوعي يمكن تفويت الفرصة على شبكة فساد واستغلال هائلة يتشارك فيها بعض وسائل الإعلام والاتصالات ومؤسسات دينية في غياب او تواطؤ مع مؤسسات شبه رسمية، والتي غالبا تقوم بالإشراف على هذه الأعمال، وذلك بأن يتبرع كل محسن بنفسه لمن يعرف، والبحث عن المحتاجين، فما أكثرهم وما أحوجهم!!

كلام غير عملي، ويستحيل بالطبع تطبيقه، ولو كان الأمر بمثل هذه السهولة، لما بقيت جمعية خيرية في العالم، فالوصول للشخص المحتاج مسألة في غاية الصعوبة، وما قامت به وزارة الشؤون، في الكويت، من تأسيس موقع يمكن لصاحب الحاجة الدخول عليه، وطلب المساعدة من خلاله، ليكون طلبه بتصرف كل الجهات الخيرية، هو الأسلوب الأفضل، وتشكر الوزارة عليه، بالرغم من أن به مثالب خطيرة، ويبدو أن عواره طال غالبية الجمعيات الخيرية، وطال أهل الخير، وتأثر به سلبا صاحب الحاجة الماسة، وأصحاب الحالات الخطيرة، من مرضى ومساجين، غير كويتيين، وبالذات الطبقة الأكثر فقرا في المجتمع، فتسبب نظام الوزارة في حرمانهم، بشكل مأساوي من وصول المساعدات لهم، وما أكثر أعدادهم.

وهذا موضوع مقال آخر.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد