ليلى أمين السيف
تناقشت ذات مرة مع مجموعة من الأعزاء عن الدراما الغربية والعبقرية في انتقاء النصوص الغنية؛ حيث كل مرة يبهروننا بقصص مختلفة وسيناريوهات محبوكة وأفكار جديدة تناقش جانبا من جوانب الحياة الثرية بكل التفاصيل التي لا يمكن أن تخطر إلا على العبقرية الغربية، حيث تمنحنا أفكارا جديدة بشكل لم أره إلا في قلة قليلة من أفلامنا ومسلسلاتنا، ولكن أبدع الغرب وأجاد في نبش ما خفي بشكل لا يجيده إلا ذو حس فني ورؤية إبداعية. هذا الغرب لديه تقليد درامي طويل وغني بالاهتمامات الاجتماعية والسياسية والفنية يشمل كل مسارات الحياة.
لن أتحدث عن الإخراج والأمور الفنية فهذه ليست مهنتي. لكنني مضطرة أن استطرد وأسهب بشأن فكرة مسلسل رأيته وابنتي مؤخرا يحكي عما نواجهه حاليا من سيطرة وسائل التكنولوجيا على حياتنا حيث تتمحور القصة حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في عمليات هتك المستور ونشر غسيل الفضائح، والتلصص، وفضح ثقافة الشعوب والأفراد. إضافة إلى أمور قد نغفل عنها بل جميعنا غفل عنها حين يضغط بزر بسيط أنه موافق على الشروط عندما ننزل نظام أو برنامج مثل الوصول للصور والكاميرا والصوت وهو أساسا لم يقرأ حرفا منها وهذه الشروط التي نوافق عليها تعطي الشركات صلاحيات للوصول إلى كافة المعلومات والبيانات.
ما أصابني بالذهول هو «ماذا يحدث لنا حين نرى افعالنا وأقوالنا أمامنا من غير تزييف» لقد ألجمتني الدهشة حين رأيت بطلة الفيلم جوان وهي تفتح التلفزيون كي تتفرج على فيلم ما فتصدم برؤية مسلسل يحاكي تماما ما حدث لها ويسرد تفاصيل حياتها اليومية في التو واللحظة. فيشاهدها حبيبها الحالي تتبادل القبلات مع زوجها السابق ويستمع لحوارها غير اللطيف مع صديقتها عنه حيث أصبحت حياتها مشاعا فمديرها وزملاؤها يسمعون ويرون ماذا قالت عنهم، أو فعلت من خلفهم، وكيف تم فصل الموظفة ثم دارت الدائرة عليها وتم فصلها هي أيضا على مرأى ومسمع من الجميع.
بطلتنا لا تستطيع أن تقاضي منصة التلفزيون فهي قد وقعت على الشروط بكبسة زر (موافق والتالي) بدون قراءتها أو فهمها.
لا أدري كيف خطرت للكاتب هكذا فكرة جعلتني أتفكر كثيرا في حياتنا اليومية.. كان تصورا جهنميا وحقيقة مرعبة فعلا أن نتخيل مجرد خيال أن ما نقوله على فلان من الناس سوف يعرض في العلن، وان حالات الخيانة ستكون مكشوفة وأن مجرد رأينا الشخصي عن الاخرين سيراه الجميع بما فيهم المعنيين بالأمر، بل سيسمعون كل حرف قيل عنهم.. كيف خطرت فكرة بث محاكاة رهيبة عن حياة بطلة الفيلم تم فيها نشر خصوصياتها أمام العلن في ذات الوقت الفعلي للمشاهدة.
أكثرنا شاطر حين الحديث عن الاخلاقيات والاصول والأخلاق العامة ولكننا للأسف مازلنا ندعي الأخلاق وننادي بالفضيلة وننكر على غيرنا ما نفعله بغيرنا.
عندما نرى ترهاتنا أمام أعيننا نطأطئ رؤوسنا خجلا لما اقترفناه وماكنا نظن انه مؤذ ولكننا حين نشاهد انفسنا وكيف نمارس ما لا نحب أن نراه في غيرنا نتوارى خجلا مما صنعنا ونتمنى لو تخفينا الأرض تحت باطنها هربا من سوء ما فعلنا.
كلنا لدينا عيوب والكثير مننا يفضفض بشكل ما لعزيز ما لديه ولكل عزيز عزيز. فقد تشكو الابنة من تسلط أمها أو سخف أخيها وقد تتذمر الزوجة من متطلبات زوجها ويتبرم الزوج من انشغال زوجته الدائم بأمور المنزل والأولاد على حساب علاقتهما وقد تنتقد الصديقة سلوك زميلتها في العمل أو تطفل جارتها وغيرها من أمور لا ندير لها بالا في حياتنا اليومية، لكننا نفاجأ حين نراها أمامنا تفضح سلوكياتنا التي نمقتها إن بدرت من غيرنا.
حلقة واحدة كانت بمثابة فتح النيران على مستقبل مجهول وحقائق جديرة بأخذها في عين الاعتبار عن الذكاء الاصطناعي، وتتبع الهاتف الذكي وتجاهلنا للشروط والأحكام والبرامج والتطبيقات التي كانت منذ سنوات مضت كلها مجانية وبعد أن ادمن عليها أغلب سكان الكرة الأرضية أصبحت مليئة بالإعلانات مع حل يبدو سهلا الآن وهو دفع مبلغ بسيط شهريا أو سنويا أو لمدى الحياة لتفادي الظهور الغثيث للإعلانات والقادم سيكون أسخم حيث سيكون ادفع لما تستخدم أو عد للزمن السحيق والعصور الغابرة.
حلقة واحدة فقط شكلت إضافة حقيقية للدراما الأجنبية، واعطتنا قيمة فنية واخلاقية ورؤية مستقبلية تستحق الالتفات لها، وبالنظر للدراما العربية فإنني أشعر للأسف بتفاهة المعروض أمام هذه الأفكار الخلاقة.
** **
- كاتبة يمنية مقيمة في السويد