: آخر تحديث

الأداء والسلوك.. معادلة المنظمات الناجحة

4
5
4

ربما راودك تساؤلٌ عن الطريقة العادلة لتقييم الآخرين في العمل: هل يكون ذلك استنادًا إلى معايير واضحة ومحددة، أم بناءً على حدسك وشعورك؟ يجيب عن هذا التساؤل الجوهري دراسةٌ علمية نٌشرت عام 1993 بعنوان: "نصف دقيقة: توقع تقييمات المعلمين من خلال لمحات سريعة من سلوكهم غير اللفظي والجاذبية الجسدية". أجرى هذه الدراسة الدكتورة Nalini Ambady من جامعة هارفارد والدكتور Robert Rosenthal من جامعة كاليفورنيا تجربةٌ عملية على عددٍ من المشاركين في البحث، حيث عرض الباحثان مقاطع فيديو قصيرة (حوالى 30 ثانية لكل مقطع) يظهر فيها معلمون من مختلف التخصصات، وقدَّم كلٌ واحد منهم شرحًا لموضوع في تخصصه. ثم طُلب من كل مشارك في البحث تقييم أداء كل معلم بعد مشاهدته للمقطع بالإجابة على سؤالٍ مركَّب: من وجهة نظرك، هل تُفضل أن يتعلم ابنك أو ابنتك لدى هذا المعلم؟ ولماذا؟

وعند مقارنة تقييم المشاركين في البحث مع تقييم الطلبة الذين درسوا فعليًا لدى هؤلاء المعلمين، وجد الباحثان أن هناك اختلافًا جوهريًا بين التقييمين، وأحيانًا اختلافًا عكسيًا، فما السبب؟ بعد الدراسة الدقيقة والتفكير العميق لأسباب تلك الفروق بين التقييمين، أظهرت النتائج أن الأشخاص الذي شاركوا في البحث قيّموا المعلمين بناءً على أدائهم الفعلي مثل: كمية المعلومات التي تم طرحها، وإستراتيجات التدريس، وأسلوب الشرح. في حين أن تقييم الطلبة كان يُرتكز أكثر على سلوك هؤلاء المعلمين تجاههم، مثل: تشجيعهم للطلبة، وصبرهم عليهم، وتفهمهم لاحتياجاتهم الفردية. فأيٌ التقييمين في نظرك يعتبر أكثر عادلًا؟

تُجيب كتب علم الإدارة على هذا السؤال الجوهري بأنَّ الجمع بين الأداء والسلوك هو الخيار الأمثل. فأنت تبحث لأبنائك عن معلِّم يمتلك معرفة كافية بالمادة التي يقدمها، ومهارة عالية في توصيل المعلومة، وأسلوبا جذّابًا ومشوِّقًا، وفي الوقت نفسه يكون محفِّزًا وصبورًا ومتعاونًا. إلا أن الواقع العملي يشير إلى ندرة اجتماع هذه الصفات في شخصٍ واحد. هنا تبرز الأولوية بين الأداء أو السلوك، فأيهما تختار؟ تؤكد الدراسات والتجارب العمليّة أن السلوك الإيجابي مُقدَّمٌ على الأداء الوظيفي. وهذا لا يعني تجاهل الأداء مطلقًا؛ إذ يُعَدّ الأداء الوظيفي عنصرًا أساسيًا في نجاح المنظَّمة واستدامتها. لكن المقصود هو أنه لو خُيّرت بين شخصين: الأول يمتلك أداءً ممتازًا وسلوكًا جيدًا، والثاني لديه أداءٌ جيدٌ وسلوكٌ ممتاز، فإن اختيار الشخص الثاني يكون الأفضل بلا تردُّد.

وهنا قد يسأل بعض القُراء الكرام عن أسباب تقديم السلوك على الأداء؟ فإن الإجابة العلمية والعملية توضح أن هناك العديد من الأسباب، نذكر منها ما يلي: 1) أن السلوك الإيجابي يساهم في بناء الثقة والولاء بين الموظفين، وهذا يؤدي إلى النجاح المؤسسي المستدام. 2) الموظفون ذوو السلوكيات الإيجابية غالبًا ما يمتلكون مهارات قيادية تمكنهم من تحفيز الآخرين وإدارة الفرق بفعالية. 3) هؤلاء الموظفون يساهمون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تقليل النزاعات الداخلية وحل المشكلات بصورة بناءة. لهذه الأسباب وغيرها يتم تقييم الموظفين تقييما عادلاً ومفيدًا للمنظمة ومنسوبيها.

تلخيصًا لما سبق، تؤكد الدراسات أن تفضيل السلوك الإيجابي على الأداء الوظيفي هو الخيار الأمثل، إذ يُبني السلوك الثقة ويعزز القيادة ويُقلل النزاعات، مما يدعم نجاح واستدامة المؤسسات. لذا، عند الاختيار، يُفضل الأشخاص ذوو السلوك المتميز حتى لو تباين أداؤهم الوظيفي. أخيرًا، الأداء المميز يُحقق إنجازات للوطن، والسلوك الإيجابي يُرسِّخ القيم في المجتمع. ولكي نبني وطنًا قائمًا على أعمدة القيم، فلنختار قادة قدوة في سلوكهم وملهمين في أدائهم لتنهض منظماتنا ويزدهر وطننا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.