في عام 2022 صدرت الطبعة العربية لكتاب «السعودية المتغيرة: الفنّ والثقافة والمجتمع في المملكة» للمؤلف الأميركي شون فولي، من منشورات «دار آداب للنشر - الرياض»، وترجمة نهى عبد الله العويضي؛ يتحدث الكتاب عن «النهضة الثقافية» في المملكة، ويرى أن الفنون والثقافة مثلت مركز القيادة في حركة التغيير، كما يرصد بزوغ خطاب فني وثقافي عبّر عن نفسه بصفته قوةً وطنية عابرة لحدود التقسيمات، مع حضور بارز للمرأة، وتحول أنشطة الثقافة صناعةً مدرّة للدخل، ولتحقيق جودة الحياة.
المؤلف شون فولي هو أستاذ التاريخ في جامعة ولاية تينيسي الوسطى، وهو متخصص في تاريخ الشرق الأوسط والاتجاهات الثقافية والسياسية والدينية في العالم الإسلامي.
يتحدث الكتاب عن الفنّ والثقافة باعتبارهما أهم محركات التحول الوطني نحو التنمية البشرية وصناعة التغيير، والسير نحو مجتمع منفتح، ومتسامح، ومحب لبلاده، وعاشق للحياة؛ لهذه الغاية كان على الثقافة أن تزيح عن كاهل المجتمعات المحلية عبئاً ثقيلاً تراكم عبر السنين، يمقت البهجة، ويشد الرحال نحو التاريخ والتراث والماضي، ويحدث القطيعة مع الحداثة والمستقبل.
«عندما تتغير الثقافة، يتغير المجتمع»، هذا ما تدلُّ عليه تجارب التاريخ وتجارب الشعوب في النهضة، ودائماً ما يرتبط مفهوم التنمية بالثقافة، بل إن القفزات الاقتصادية التي شهدتها دول مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية بدأت أولاً بالتغيير الثقافي، فقد كانت (الثقافة) أحد أهم محركات التنمية.
يستعرض كتاب «الثقافات وقيم التقدم»، لمؤلفيه: لورانس هاريزون وصمويل هنتنغتون، تأثير الثقافة في التنمية، عبر وضع مقارنة بين تجربتي كوريا الجنوبية في آسيا وغانا في أفريقيا أوائل الستينات الميلادية، حيث تمكنت كوريا بعد 30 عاماً أن تصبح دولة صناعية تغزو أسواق العالم، وبقيت غانا تعالج أوجاع الفقر. برأيي المؤلفين، فإن كوريا تمتعت بثقافة عامة، محفزة للتقدم، على النقيض من غانا التي اشتغلت بالاستملاك والاستهلاك.
تعطي الثقافة حافزاً للعمل والإبداع، وحافزاً أعلى للمنافسة وحرية البحث، وفهماً متنامياً بأن الإنسان يمثل «قيمة عليا»؛ ما يضاعف اعتداد الناس بذواتهم، ورغبتهم في تحصيل المكانة، والكرامة، والتميّز. كما تعيد تشكيل الوعي بالوطن في التصورات الجماعية للأفراد؛ الوطن باعتباره الحاضن لأبنائه، والمملوك لهم، والمستحق لتضحياتهم، على حساب الصورة النمطية القديمة التي تصورهم رعايا في حقول الإنتاج التي لا يملكونها.
فالتقدم يحتاج إلى ثقافة تحفز المسير نحوه، هذا صحيح، مثلما تفعل بعض أنواع الثقافة فعلها في تثبيط حركة التقدم. لذلك؛ فالثقافة عنصر فعّال في خلق الوعي الذي يسعى لاستغلال وتطوير الموارد الفكرية والاقتصادية ودفع الإنسان إلى تحريكها نحو تحسين معيشته.
تؤثر الثقافة في حركة الإنسان نحو التقدم، يمكنها أن تصبح حافزاً، ويمكنها أيضاً أن تتحول قيداً يكّبل حركته. هي تصنع السلوك المحرض نحو الحركة سلباً أو إيجاباً، ونحو اللاحركة أيضاً، أي الجمود والتحجر. يمكن للثقافة أن تصنع وعياً حقيقياً أو مزيفاً. يمكنها أن تنطلق نحو المستقبل أو تغوص في الماضي. يمكنها أن تجعل العقل ناقداً وشجاعاً في قراءة التراث، ويمكنها كذلك أن تجعله تبريرياً ونسقياً.
لكن في النهاية، فإن الثقافة هي انعكاس لتحولات المجتمع. وإذا أردنا أن نصنع حراكاً ثقافياً يتحدى الجمود، فلا بد أن يسبقه أو يصحبه حراك اجتماعي. الموارد والاقتصاد والجغرافيا تصنع دوراً مساعداً، فهناك دول صنعت معجزات اقتصادية كاليابان وسنغافورة وهولندا كانت مواردها شحيحة، ودول أخرى متضخمة بالموارد ما زالت تستورد غذاءها.
ودائماً ثمة حاجة إلى الإصلاح الثقافي، وهو عملية تهدف إلى تحديث وتطوير المنظومة الثقافية للمجتمع من خلال تعزيز القيم الإيجابية، ونقد العادات السلبية، وتوسيع آفاق المعرفة، ويشمل الإصلاح الثقافي تغيير طرق التفكير، ومراجعة الخطاب الديني والتعليمي، وتحسين وسائل الإعلام والفنون بما يخدم التقدم الاجتماعي. فالإصلاح الثقافي ليس مجرد تغيير في الأفكار، بل هو مشروع طويل الأمد يتطلب جهوداً متواصلة في مختلف المجالات لتحقيق تحول حقيقي في الوعي والممارسات.
من هنا، كان النموذج السعودي في التحوّل الثقافي نموذجاً مثيراً للاهتمام. فمع الرؤية (السعودية 2030) أصبحت الدولة تقود حركة التحوّل الثقافي عبر سيل من الصدمات المتتالية والمدروسة التي تسعى لتفكيك القيود الثقافية المعيقة للتقدم. مثل الانفتاح على الفنون، وتمكين المرأة والسماح لها بالعمل وقيادة السيارة والسفر وغير ذلك.