زُج ما يُسمَّى بـ «قانون تعديل قانون الأحوال الشّخصيّة» (188 لسنة 1959)، مع قانوني «العفو العام»، و«إعادة العقارات» - المستولى عليها قبل (2003)، وليس بعدها - فأقرَّ البرلمان (21/1/2035) القوانين الثلاثة بمزاد غريب، حتَّى على تقاليد الأسواق، وبعدها قامت المحكمة الاتحادية (4/2/2025)، بوقف تنفيذ التَّعديل، وقصدها ليس (تعديل) الأحوال الشّخصية، إنَّما قانون «العفو العام»، المتصل بما جنته على العراقيين مادة (4 إرهاب) و«المخبر السّري»، المصوت عليها وفق اتفاقات رؤساء الكُتل، أمَّا الأعضاء فعليهم رفع الأيدي، فتكتل حزب الدّعوة، وهو ما يشار إليه بالدَّولة العميقة، يلح مؤيداً تبطيل (اشتقاق من الباطل) الأحوال الشّخصيّة، وتسليمها للفقه، كمظهر من مظاهر الدَّولة الدّينية، التي ينشد إقامتها، وبالمقابل أخذ يلح على إلغاء إقرار قانون العفو العام.
ما يهمنا هو «الأحوال الشَّخصيّة»، فليت المقصودَ تحريرُ هذا القانون مِن اِعوجاج، فسمُّي- جزافاً- تعديلاً، بما اشتهر بتصويت السَّلة، ولا عِلم لي إذا كانت «السَّلة» مِن أدوات الدّيمقراطية، وهي أداة الأسواق لا البرلمانات، وهنا أول مرة ألجأ للذَّكاء الاصطناعيّ، وأسأله عن تصويت السِّلال؟ فأجاب بنعم، ولكن ليس بمعنى التَّصويت دفعة واحدة على ما في السَّلة، إنما حصل قديماً أنْ «يُطلب مِن الأعضاء، وضع أصواتهم في سَلة، أو صندوق خاص، من دون إعلانهم عن خيارهم علناً، مما يُعزز السّرية».
استخدم لفظ التَّعديل تلطيفاً للأسوأ، وهو في الحقيقة تبطيل لا تعديل، وإلا فاللَّفظ منافٍ لحقيقة ما يُراد إقراره، فحسب المعاجم العربيّة: «تعديل الشَّيء تقويمه، فاعتدل حتَّى استقام» (لسان العرب)، والعدل ضد الأعوج، فكيف بإلغاء قانون يحفظ حقّ الطَّفل والمرأة يُعد تعديلاً؟ في سن الزَّواج والحضانة، وكلاهما يقعان على كواهل الأطفال والنّساء.
اعتمد «المعدلون» على مادة الدّستور الثَّانية: «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، ومعلوم الثَّوابت هي الأُصول المعروفة، أمَّا تفاصيل الزّواج فمِن وضع الرّجال، ولأبي حنيفة(ت: 150هج) عبارة قالها عندما أُشكل في مسألة: «نحن رجال وهم رجال» (الزَّمخشريّ، ربيع الأبرار)، والدَّليل اختلاف المذاهب في مسائل الزَّواج بتباين الفقهاء، ولو كان ذلك مِن الثّوابت ما صنفت كُتبُ «اختلاف الفقهاء»، وما ظهرت في مكاتبنا الألوف المؤلفة في اختلاف الاجتهادات! فأي ثوابت للإسلام تتعارض مع سن الزواج (18) عاماً؟ وأي ثابت تتجاوزه مدة الحضانة للأم؟ كذلك اعتمد (المعدلون) على المادة (41): «العراقيون أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشَّخصيَّة...».
أليس هذا مبعثَ فوضى في المجتمع؟ وما دُست هذه المادة في الدّستور إلا ثأراً لمن أزعجه قانون (188/1959)، فقد جعل عقود الزَّواج للمحاكم، لا للفقهاء، مع تحديد سن الزَّواج اللائق، والميل لمصلحة الطَّفل بحضانة الأمّ. ليس هناك دولة تنظر إلى الأمام بلا قانون أحوال شّخصية، يحمي الطُّفولة. سيقولون: إنَّها الدِّيمقراطيّة؟ أقول: إذا كان الأمر كذلك، فالنَّاس أحرار في ممارسة الضّرر الاجتماعيّ!
بينما للأطفال الحقّ بالحماية مِن معاملات تقرّ خطوبة الرَّضيعات، والاستمتاع بهنَّ «لا بأس به»، والدُّخول بإكمال التسع سنوات! هل فكر المعدلون بفظاعة المشهد؟! مِن باب آخر جَعل (التَّعديل) الفقهاءَ فوق المحاكم، لتغدو مكاتب خدمية لِما يبرمه الفقيه. بينما قانون (188)، أخذ ما يناسب العصر من المذاهب، جاعلاً مصلحة الإنسان أولاً. اِطَّلعت على معظم قوانين الأحوال الشّخصية، لدول قريبة وبعيدة، فوجدتُ الزَّواج عند كافتها (18) عاماً، والحضانة للأمِّ بين (15) إلى (18) عاماً. فهل تراها خالفت «ثوابت الإسلام»؟
وأين فقه المصلحة؟ سبق الشّاعر وقال في محنة مشابهةٍ: «مشت كلّ جارات العراق طموحةً/ سراعاً وحالت دونه العقبات» (الجواهريّ، الرَّجعيون 1929). يبقى الأمل بالقضاء العراقي يرفض تطبيق قانون التّبطيل، فهو شرخ في تاريخ العدالة، فلا يجب أن تكون مصائر الأطفال والنّساء خاضعة للمساومة، فيصوت عليها بـ «السَّلة».
*كاتب عراقي