خيرالله خيرالله
انتصرت سورية فتغيّر لبنان. تساعد هذه العبارة التي تتألّف من أربع كلمات في فهم ما يجري في لبنان بدءاً بانتخاب رئيس للجمهوريّة هو العماد جوزف عون، الذي لم يكن مرشّح «حزب الله» وإيران كما كانت حال ميشال عون... وصولاً إلى حصول نواف سلام، على أكثرية نيابية في الاستشارات الملزمة التي أجراها رئيس الجمهوريّة. كلمة السرّ في لبنان هي «سورية». تحرّرت سورية فتحرّر لبنان.
توجد حاجة إلى بعض الوقت قبل أن يستوعب «حزب الله» الواقع اللبناني والسوري الجديد ومعنى استعادة الأكثريّة السنّية الحكم في سورية بعد انقطاع طويل، وانعكاس ذلك على لبنان وعلى اللبنانيين والحياة السياسيّة في البلد. أمضى لبنان ثلاثة عقود تحت الوصاية السورية المباشرة وعقدين تحت الوصاية الإيرانيّة غير المباشرة، وهي وصاية مارسها «حزب الله».
استمرّ انقطاع السنّة عن حكم سورية منذ 23 فبراير 1966 تاريخ الانقلاب الذي نفّذه الضباط العلويون الثلاثة محمّد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، تمهيداً لاحتكار حافظ الأسد السلطة في 16 نوفمبر 1970.
في فبراير 1971، قرّر حافظ الأسد أن يكون أول رئيس علوي للجمهورية العربيّة السوريّة. تجرّأ على اتخاذ هذه الخطوة بعد تردّد استمرّ أسابيع عدّة جال خلالها في معظم انحاء سورية وحرص على الصلاة في مساجد أهل السنّة.
تحرّرت سورية من الحكم العلوي الذي تحوّل مع مرور السنوات وخلافة بشّار الأسد لوالده إلى تابع مباشر لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة». الطبيعي أن يظهر لبنان تحرّره وذلك بمجرّد طرح مجموعة من النواب والناشطين السياسيين اسم نواف سلام، ليكون رئيساً لمجلس الوزراء بعد أربعة أيّام من انتخاب جوزف عون، رئيسا للجمهوريّة. هذا لا يعني أنّ نجيب ميقاتي، لم يُظلم. من الضروري إعطاء الرجل حقّه، لا لشيء سوى لأنّه كان الوحيد القادر، على رأس حكومة مستقيلة تصرّف الأعمال، من تمرير إحدى أخطر المراحل في تاريخ لبنان. بل ربّما مرّر المرحلة الأخطر في تاريخ البلد الصغير الذي وجد نفسه في حرب تدميريّة مع إسرائيل لا ناقة له فيها ولا جمل. كانت تلك الحرب حرباً كارثيّة قرّرت «الجمهوريّة الإسلاميّة» افتعالها «إسناداً لغزّة» عن طريق فتح جبهة جنوب لبنان لأسباب خاصة بها لا أكثر... من دون استشارة أحد.
يبدو أنّ «حزب الله» يرفض بشدة التعاطي مع الواقع. هذا ما يفسّر الكلمة، التي تنتمي إلى الماضي، التي تلاها في قصر بعبدا النائب محمّد رعد، رئيس الكتلة النيابية للحزب. يرفض رعد استيعاب أنّ عهد الوصاية السوريّة بات من الماضي. كذلك عهد الوصاية الإيرانيّة المباشرة الذي بدأ في اليوم الذي اغتيل فيه رفيق الحريري في بيروت يوم الرابع عشر من فبراير 2005، أي قبل عشرين عاماً.
في ضوء ما حدث في سورية وبغض النظر عن نجاح التجربة السوريّة الجديدة أو فشلها، لا عودة لإيران إلى هذا البلد ولا عودة لها إلى لبنان. لن يعود العلويون إلى حكم سورية ولن تعود سورية لاعباً في لبنان حيث ورطت الفلسطينيين، في عهد حافظ الأسد، في حروب داخلية لبنانيّة عادت عليهم وعلى اللبنانيين بالمآسي. لم يكن من هدف لهذه الحروب التي افتعلها الأسد الأب غير الوصول إلى يوم يحصل فيه على ضوء أخضر أميركي، عبر هنري كيسينجر، وإسرائيلي يسمح له بدخول لبنان عسكرياً بغية وضع اليد على قواعد «مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينيّة» والسيطرة على هؤلاء.
يرفض «حزب الله» أخذ العلم بأن لبنان تغيّر وأنّ في أساس التغيير الحدث التاريخي الذي شهدته سورية. يعود السوريون إلى سورية ويعود اللبنانيون إلى لبنان. تعود ثقافة الحياة إلى البلدين. المنطقة كلّها تتغيّر في ضوء فشل الحروب التي شنتها «الجمهوريّة الإسلاميّة» على هامش «طوفان الأقصى». ما لم يفهمه الحزب، على وجه التحديد، أنّ لا مفرّ من إعادة نظر في العمق في مقاربته للوضع اللبناني. يكون ذلك من زاوية التغيير السوري والعلاقة المختلفة بين البلدين الجارين بعيداً عن ذهنية حلف الأقليات التي تحكّمت بسلوك حافظ الأسد، منذ كان وزيراً للدفاع قبل تسلمّه السلطة في أواخر العام 1970. اعتقد الرجل أنّ في استطاعته، حكم سورية ولبنان عبر الأجهزة الأمنيّة التي صنعها وعبر السجون التي انشأها في مختلف انحاء سورية... وعبر مجازر مثل مجزرة حماة في فبراير 1982.
انتهى الأمر بحافظ الأسد أن حوّل سورية إلى سجن كبير يرمز إليها سجن صيدنايا، وقبل ذلك سجن تدمر. أراد أن يجعل من لبنان الشيء نفسه. تحررت سورية وخرجت من السجن الكبير. تحرّر لبنان أيضاً. ذلك هو المعنى العميق لانتخاب جوزف عون، رئيساً للجمهوريّة واختيار نواف سلام، لتشكيل حكومة جديدة.
ينجح نواف سلام أو لا ينجح؟ ليست تلك المسألة. المسألة متعلّقة بأن وجوده في رئاسة الحكومة يرمز إلى تغيير كبير، بل انقلاب، على الصعيد الإقليمي. هل يستفيد لبنان من ذلك أم لا؟ هل ينتصر لبنان على نصف قرن من الوصاية السوريّة والإيرانيّة؟