: آخر تحديث

لعلها ليست مزحة

5
6
5

علي عبيد الهاملي

يحدث أحياناً أن تبدأ بعض الحكايات بمزحة، وقد بدأت الحكاية بما بدا أنها مزحة قالها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يوم الجمعة 3 يناير 2025 لرئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال حفل عشاء في نادي ترامب بمنتجع مار إيه لاغو، جرت خلاله مناقشة حول التعرفات الجمركية.

يومها قال ترامب إن كندا يجب أن تصبح الولاية رقم 51 في الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد ما تم وصفه بأنه رد فعل مهذب من ترودو حول كيفية إيذاء هذه التعرفات الجمركية للاقتصاد الكندي، قال ترامب مازحاً إنه إذا كان هذا هو الحال، فربما تنضم كندا إلى الولايات المتحدة لتصبح الولاية رقم 51. أحد المصادر أكد أن التعليق كان من المفترض أن يكون مزحة، وأن الضيوف الآخرين اعتبروه كذلك.

يبدو أنها لم تكن مزحة، فيوم الثلاثاء 7 يناير 2025م، بعد إعلان جاستن ترودو استقالته من رئاسة الحكومة الكندية بيوم واحد، دعا الرئيس ترامب مرة أخرى إلى ضم كندا لأراضي الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي منشور على منصة «تروث سوشيال» قال ترامب: «إذا اندمجت كندا مع الولايات المتحدة فلن تكون هناك تعرفات جمركية، وستنخفض الضرائب بشكل كبير، وستكون كندا آمنة تماماً من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها باستمرار».

يبدو أيضاً أن شهية ترامب انفتحت على ضم أراضي الدول الأخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد كندا جاء الدور على غرينلاند لتكون الأكلة المفضلة الثانية لترامب، الذي طالب بضمها أيضاً إلى الولايات المتحدة قائلاً إنه «لأغراض الأمن القومي والحرية في جميع أنحاء العالم، تشعر الولايات المتحدة بأن امتلاك جزيرة غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة ملحة».

وأضاف إنه لا يستبعد اللجوء إلى العمل العسكري أو الاقتصادي لجعل غرينلاند جزءاً من الولايات المتحدة.

الدانمارك، التي تعد جزيرة غرينلاند جزءاً منها منذ 600 عام، رغم تمتعها بالحكم الذاتي، قال وزير خارجيتها إن غرينلاند قد تستقل عن بلاده إذا أراد سكانها ذلك لكنها لن تصبح ولاية أمريكية، بينما قالت رئيسة الوزراء الدانماركية إنها لا تستطيع أن تتخيل أن طموحات ترامب قد تدفعه إلى التدخل عسكرياً في غرينلاند.

شهية الرئيس الأمريكي المنتخب للاستيلاء على الأراضي والبحار كانت قد انفتحت في شهر ديسمبر 2024م، عندما هدد باستعادة السيطرة على قناة بنما، الممر المائي الحيوي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادي، وانتقد وقتها ما وصفه بالرسوم السخيفة المفروضة على السفن الأمريكية التي تعبر القناة، ملمحاً إلى نفوذ الصين المتزايد.

ترامب، الذي انفتحت شهيته لالتهام الأراضي والبحار قبل أن يدخل البيت الأبيض يوم 20 يناير الجاري، أعلن أيضاً أنه سيغير اسم خليج المكسيك إلى «خليج أمريكا» قائلاً إن له «وقعاً جميلاً».

ويقع الخليج جنوب شرق القارة الأمريكية الشمالية، وتتصل مياهه بالمحيط الأطلسي عبر مضيق فلوريدا الذي يفصل بين شبه جزيرة فلوريدا وجزيرة كوبا. رئيسة المكسيك، كلاوديا شينباوم، هاجمت الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وقالت: إنه يعيش في الماضي.

ليس من المعقول أن تكون كل هذه مزحات من النوع الذي يمكن بلعه، ولكنها ربما تكون خرائط جديدة يتسلى برسمها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لقتل الوقت قبل أن ينتقل إلى البيت الأبيض ليصبح مهندس العالم الأول، وربما الأوحد، وفقاً لمسارات الأحداث التي تنتظر يوم 20 يناير، وإن كانت كل المؤشرات تشير إلى خطورة ما سيحدث، في ضوء ما يهدد به ترامب من جحيم سيأتي معه.

إعادة رسم الخرائط ربما تبدو هي الموضة الجديدة، وقد بدأها قبل ترامب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في شهر سبتمبر من عام 2023م، عندما ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين، أظهر خلالها خريطة أطلق عليها «خريطة الشرق الأوسط الجديد».

سياسة تغيير الخرائط ليست جديدة، فقد مارستها دول عظمى وإمبراطوريات كثيرة منذ فجر التاريخ. وانطلاقاً من هذه الفكرة ربما يعطي ترامب وغيره أنفسهم الحق في ممارسة هذه السياسة والإعلان عنها دون مواربة أو خجل.

للكاتبة الإماراتية صالحة عبيد رواية جميلة، صدرت عام 2018م، اسمها «لعلها مزحة». لعلها ليست مزحة هذه المرة يا عزيزتي صالحة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد