تعاني أوكرانيا وروسيا ضغوطاً اقتصادية وعسكرية واجتماعية وسياسية ودبلوماسية، بسبب الحرب بينهما، والتي قد تنتهي في وقت مبكر من العام المقبل بسبب استنفاد الموارد، أو ابتكار فائق للتفوق في ساحة المعركة، أو حدث خارجي يقوّض أحد الجانبين، أو استخدام سلاح ينهي معادلة الشد والجذب بين الطرفين، خاصةً في ظل الابتكارات التي ساهمت في تقلبات الزخم في ساحة الصراع باستخدام طائرات من دون طيار، والاستطلاع عبر الأقمار الصناعية على نطاق تكتيكي، واختراق وترجمة إشارات الهاتف المحمول ووسائل التواصل حتى التي يفترض أنها مؤمّنة، ولها موثوقية أمنية عالية، وغيرها من المعارك الاستخباراتية التي حددت تمركز القوات وتعدادها والفجوات ونقاط الضعف التي تعانيها، ناهيك عن المساعدات النوعية لأوكرانيا - وخاصةً الأسلحة بعيدة المدى - وبالرغم من قلّتها فإنها من عوامل إعادة التوزان بين الطرفين.
وعن الأسلحة البيولوجية والكيميائية والفرط صوتية، والتقنيات الفضائية والتكنولوجية المتقدمة للغاية وعالية الدقة، فإنها حتماً ستترك تأثيراً مدمراً لأطراف الصراع، ومن هم في قلب الصراع، سواء كان بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
إن حرب روسيا وأوكرانيا تم التعدي فيها على الكثير من الخطوط الحمراء، وقد ينظر إليها خطأ على أنها عالقة في طريق مسدود، وترويج كل طرف لمزاعم تروج لهذا الرأي، لتعزيز روايتها بأن هزيمة أي طرف تعد هزيمة لحلفائها جميعاً، وخطراً يواجه العالم أجمع، والأمر الذي لا مفر منه هو أن الانتصار لن يكون حتماً دون شلل شبه كامل للطرف الآخر، أو حدوث تطور عسكري جديد، أو ابتكار غير مسبوق يتسبب فجأةً في قلب الموازين، والتوقع الأبرز من العديد من الخبراء حول العالم هو قبول الوضع الحالي بشروط، وبدء مناقشات السلام بعد تولي الرئيس الأميركي «ترامب» سدة الرئاسة، ولن يحدث ذلك إذا لم تصمم أوكرانيا استراتيجية تحافظ فيها على الأراضي التي احتلتها في الهجمات والهجمات المضادة حتى الآن، وبالسماح لها باستخدام صواريخ بعيدة المدى لاستهداف القوات ومراكز القوى العسكرية لروسيا، وحتى مع تجنب الداخل الروسي، ستكون تلك الحجة لـ «بوتين» لتكرار سيناريو هيروشيما، وليس بالضرورة باستخدامه سلاحاً نووياً، وهي المفاجأة التي تخشاها أوكرانيا وداعموها الرئيسون، بالرغم من أن تكاليف الحرب باهظة للغاية على روسيا، واستنزاف استراتيجي يضعف من مستقبل بقائها في لعبة مشاركة القوى الأخرى في جزئية تروق لها من سيادة العالم.
ربما من غير الصواب الاعتقاد بأن الحرب بين أوكرانيا وروسيا فقط، وبأنها ليست حرباً عالميةً ثالثةً مصغرة، وإلّا كيف نفسر تحقيق أوكرانيا نجاحات كبرى ضد البحرية الروسية، على الرغم من افتقارها إلى بحرية خاصة بها؟ وهناك أيضاً حملات الضربات العميقة، حيث استخدمت روسيا وأوكرانيا صواريخ بعيدة المدى، وطائرات من دون طيار للوصول إلى مصالح كل منهما، وحرب معلومات شرسة، حيث يحاول الجانبان إقناع بقية العالم بأنه يتمتع بالميزة، ولا سيما أن الأولوية القصوى لروسيا هي إقناع الغرب - وخاصةً الكونجرس الأميركي - بأن أوكرانيا لا تستطيع الفوز بالحرب، حتى تصبح الأولوية نبوءة تحقق ذاتها إذا تم سحب المساعدات، وما يرتبط بكل ذلك الصراع من انكماش اقتصادي عالمي وانهيار متوقع للأسواق المالية العالمية، وقطاع الصادرات والواردات والأمن الغذائي وأمن الطاقة في العالم، ولذلك هي حرب عالمية في الأبعاد التي تلامسها، وخاصةً أن التحليل المباشر للمكان والزمان الذي تتجه إليه الحرب يشير إلى أن روسيا ستستمر في الهجمات الجوية والتقدم الأرضي، أما بالنسبة لأوكرانيا فستقوم بتنويع الطرق في اختيار معاركها، والتركيز على منطقة معينة أو قوات معينة لتحقيق مكاسب مدروسة، وتلك الصورة القاتمة المتشابكة من الصراع جعلت الاقتصاد العالمي تحت أرضية هشة للغاية، ويمثل الدعم الميداني من كوريا الشمالية لروسيا بعداً آخر، وهو يعني دخول دولة نووية أخرى ضمن الصراع، وهو ما يعقّد مهمة «ترامب» في تحقيق عهود السلام الانتخابية.