أحمد الجميعة
تستضيف دولة الكويت الشقيقة في الأول من ديسمبر المقبل قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في الدورة الـ45 للمجلس الأعلى، وذلك في توقيت مهم وبالغ التعقيد والحساسية تجاه تداعيات الأحداث في غزة ولبنان، والقضايا التي تمرّ بها المنطقة في سورية واليمن والعراق والسودان، والحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب التطورات السياسية والاقتصادية العالمية، ووصول إدارة أمريكية جديدة بعد انتخاب الرئيس دونالد ترمب، كذلك التحديات الأخرى التي تواجه عمل المجلس في استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية، والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة؛ ضمن رؤية الملك سلمان لتعزيز العمل الخليجي المشترك، حيث يثق أبناء الخليج بقياداته في التعامل مع هذه التطورات، وحكمة وقدرة سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح في إدارة أعمال القمة، والأشقاء في الكويت في تنظيم نسخة خليجية تستجيب للتطلعات والتحديات معاً.
اليوم نجحت دول الخليج في تنسيق مواقفها من تلك الأحداث والتطورات، وتجنّب الصراعات الإقليمية والدولية، كذلك تطوير الشراكات الاستراتيجية مع المنظمات الإقليمية والدولية، والدول الشقيقة والصديقة، وهو ما جعل المنظومة الخليجية تعمل ضمن إطار مشترك، ومصير واحد، ولكن مع كل هذه الجهود المبذولة لا تزال التحديات الخارجية في المنطقة تمثّل تهديداً على الأمن والاستقرار في دول الخليج، وأساس ذلك عدم قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على دول الإقليم، والمليشيات والأحزاب المسلحة خارج سلطة النظام والقانون، وجماعات الإسلام السياسي التي تواصل هي الأخرى نشاطها الفكري في شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاولة إثارة الصف الخليجي، وتأزيمه، والتشكيك في منجزاته.
صحيح أن المهمة الخليجية في المواجهة تنطلق من مبادئ وقيم راسخة على مدى نصف قرن تقريباً، ولكنها بحاجة اليوم إلى إطار خليجي لـ«إدارة المصالح المشتركة» بين الدول الأعضاء، وتتولى الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى إعداد وحوكمة هذا الإطار، والمجلس الوزاري تنفيذه؛ فلا يمكن أن تتباين المواقف على الخطر الذي يهدد المجموع، أو الممارسات التي تحاول النيل من الوحدة الخليجية، وتبرير ذلك بعبارة «الشأن الداخلي»، كذلك لا يمكن أن تكون التحالفات الاستراتيجية لكل دولة على أساس أحادي قد يضر بمواقف ومصالح دول أخرى في المجلس.
الأمانة العامة لدول المجلس الخليجي وهي تبذل جهوداً تنسيقية مميّزة، من خلال الإدارات واللجان ومجموعات العمل المشتركة؛ هي الأخرى بحاجة إلى صلاحيات أوسع، وقواعد بيانات أكبر، ودراسات تحليلية معمقة للواقع الخليجي وتحدياته، حيث لا تزال البيانات والتقارير مقارنة بمنظمات دولية أخرى هي الأقل من حيث المعلومات، والتحليل والتنبؤ.
طموحات أبناء الخليج لم يعد لها سقف، والتطورات المتسارعة للأحداث والقضايا خلقت لديهم حالة وعي غير مسبوقة، ونتج عنها رأي عام يتشكّل كل يوم في شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي نحتاج أن يواكب العمل الخليجي الرسمي تلك الطموحات، وتحديداً الأمانة العامة للمجلس، والبحث عن المكاسب والفرص التي تعزز من وحدة الكيان الخليجي الذي نفخر بإنجازاته، ونتطلع إلى ما هو أفضل مستقبلاً.