وبالتالي فإن كل ما صدر من هجوم ورفض من مغردين ونواب سابقين وآخرين على ما نسب من أقوال تظهر وكأنها وردت على لسان النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، في تسجيل صوتي، من واقع مكالمة مع أحد المشبوهين، المتواجدين خارج البلاد، بنيت جميعها على مكالمة مسرَّبة بطريقة غير قانونية، ومسجلة بطريقة غير أخلاقية، وبغير علم من نُسب له مضمونها، ولا نعلم مدى صحتها، وبالتالي ما بني على باطل فهو باطل.
من بين من هاجموا النائب الأول، نائب سابق، وسبق أن وصف، من على بوديوم المجلس، زملاءه النواب، وكل من دافع عن زميل آخر لهم، بأنه متخاذل وجبان و«واطي»، فهل أصبح صاحب هذه الألفاظ من يعلمنا الأخلاق؟ وأين كان هو وغيره، عندما رفضت أغلبية أعضاء المجلس تشكيل لجنة للنظر في تزوير الجنسية، وتبين أخيراً حجم الكارثة الرهيب، الذي كان سيضيعنا جميعاً؟
أنا ضد الاستبداد، وضد أي تعسُّف، وضد كبت الحريات ومصادرتها، وأؤمن بأن الحرية جزء من حقوق الإنسان، وهي سر تقدم الدولة وازدهارها، فقد وصلت الكويت لأوج تميزها، ثقافياً وأدبياً وفنياً ورياضياً، وسياسياً، وذاع صيتها الإنساني وكرمها مع المحتاج، فرداً أو دولة، في العالم أجمع، عندما كانت في قمة ممارستها لديموقراطيتها، قبل محاولات تخريبها، وما نتج عن ذلك من تردٍّ للكثير من أوضاعنا، بحيث أصبحت حتى أعظم وأخطر الأمور، كجنسية الدولة، مجالاً للتزوير والإثراء غير المشروع!
من حقي، كما من حق غيري، معارضة الكثير من قرارات النائب الأول لرئيس الوزراء، فهد يوسف الصباح لكن يكفي، من خلال استعراض أسماء من يقومون، خفية أو علناً، بمهاجمته، أو من يقفون وراءهم، اعتبار الرجل شخصاً غير عادي، ويستحق الدعم الكامل، فلم نكن حقيقةً نحلم يوماً بأن قرارات مزلزلة، كسحب آلاف الجناسي المزوَّرة، كانت من الممكن أن تتحقق أبداً، فقد تجرأ وتحمّل مسؤولية فتح عش دبابير عملاقة، ما كان لأحد غيره القيام به، لذا استحق الدعم الحكومي الكامل، بعد أن شاهدوا، من واقع مواقعهم، مدى عمق المأساة، وربما فكروا في إعلان حالة الطوارئ، لحل مشكلة سحب جنسية عشرات آلاف الاشخاص، وربما أكثر من ذلك، فهي عملية نادرة تاريخياً، خاصة في بلد صغير كالكويت، لكن الحكومة، بما تتمتع به من دعم شعبي، رأت أن الحزم كافٍ حالياً، للتصدي لما سيحدث.
لقد نال النائب الأول، حتى الآن، الكثير من الأذى والهجوم المقذع، ومحاولات تشويه السمعة، ولا شك عندي أنه أصبح يعمل تحت ضغوط كبيرة، بعد أن تكالب عليه أعداؤه، وتزايدوا مع كل إنجاز يحققه في محاربة الفساد، وكشف الجنسيات المزورة، ومعالجة خراب هيئات وإدارات عدة، فهو رجل المرحلة، شئنا أم أبينا. وكل مطالبة بتسليم ملفات الجنسية المشكوك فيها للمحاكم، بعددها الضخم جداً، خاصة مع وجود عشرات آلاف القضايا التي ينتظر المتقاضون، منذ سنوات طويلة، البت بها في مختلف الدرجات، هي مطالبة يقصد بها حتماً تمييع الموضوع وعرقلة المسيرة، فالوقت ليس في مصلحة النائب الأول، وعليه أن يسابق الزمن، من دون أن ينتج عن ذلك أي هدر للحقوق، خاصة أن وضعنا الخرب يتطلب اهتمامه الشخصي للقضاء على مئات آلاف التجاوزات على أملاك الدولة، ومئات آلاف حالات الفساد وما يماثلها عدداً من قضايا مخالفات البناء، ومخالفات الإقامة، وتزوير عشرات آلاف الشهادات الدراسية، ونهب أموال الدولة، وخراب الطرق وفساد المقاولات، وعشرات آلاف العمالة السائبة والمخالفة، وغيرها الكثير، التي ما كان من الممكن التعامل معها، بما يكفي من سرعة وحزم، في ظل الأوضاع الخربة التي وصلنا لها نتيجة التراخي في تطبيق القانون وتفشي الواسطة، وغير بعيد عنا قضية الإيراني وعشرات الفاسدين من أمثاله، الذين حولوا الدولة لجسد مريض يعاني من الغرغرينا التي لا ينفع معها غير البتر، فلا وقت هناك لإجراء فحوص طبية، وتحليل دم، وعمل أشعة، بل فقط البتر، خاصة أن كل من شارك وسهل لمزوِّري الجنسية أمورهم بطرق دنيئة وغير أخلاقية، هم مواطنون يعيشون بيننا، وربما بينهم من لا يزالون في مناصبهم، فهل هؤلاء جديرون أو مؤتمنون للتعامل مع مثل هذه الأوضاع الخطيرة والعميقة في خرابها، كما يقترح البعض؟
نعم، من حقنا الافتراض بأن أخطاء ستقع، وسيظلم البعض، وقد يصيبنا، وربما بعضا من أحبتنا، بعض من طشار التعسف في تطبيق القانون، لكن كل ذلك يهون في سبيل وقف انهيار أوضاعنا، وخراب بيوتنا، مع ثقتنا والأمة أجمع بقيادتنا، التي اختارت الصالح لتعديل الأوضاع الأمنية السائبة، وعلينا تقبل ذلك، من دون تشنج، فقد وصلت أوضاعنا لدرجة الخطر القاتل، وليس أمامنا إلا السير في طريق المخاطرة بحرياتنا، إن حدث ذلك، مؤقتا، لحين الانتهاء من اجتثاث كل أسباب وعوامل الخراب والفساد خلال فترة السنوات الثلاث المقبلة. وإن كان لنا أن ننصح من بيده الأمر حكوميا، فإننا نطالبه بالتحلي بالحكمة والعدل، وأن يحكّم ضميره في كل قضية ويتجنب تماما ظلم أي إنسان، مواطنا كان أو مقيما، وأن يتبع القانون في كل قراراته، وأن يؤمن بدستور الدولة، فهو الضامن لحقوقنا جميعا!
أحمد الصراف