خلال أسابيع قليلة، ستنقلب شوارع الكويت وطرقها السريعة، إلى ورشة عمل هائلة لا يمكن تخيل إرباكاتها، وستبدو الأمور كفيلم رعب، أو كأن الكويت خارجة للتو من معركة أهلية، فانسدادات الشوارع والتحويلات الجبرية، وإغلاق فتحات منتصف الطريق، ستغطي كل المناطق بلا استثناء، وسيصبح الوضع عذراً وجيها للتأخير في أداء أي عمل أو الوصول لأي موعد ولقاء، وسيزداد التذمر وتتراكم الخسائر المادية والضغوط النفسية، وليس أمام الغالبية التي تحمل هواتف نقالة غير الاستفادة من خدمة «غوغل»، وعدم التحرك بالسيارة، قبل معرفة ظروف الطريق، وعدم الاعتماد على العادة أو الذاكرة أو الاعتقاد بأن سلوك الطريق «أ» أفضل من سلوك الطريق «ب»، فليس هناك ضمان في جميع الأحوال، فالأوحال قادمة مع موسم الأمطار، وستصبح أمورنا قريبا «صلطة»، لا خيار لنا فيها، فكما لحق الفساد وانتشر في مختلف مؤسسات الدولة، وأصبحت حتى الجنسية الكويتية، التي تعتبر بين الأفضل في العالم، تباع وتشترى هنا وهناك، وفي الدول المجاورة، فمن السذاجة الاعتقاد بأن الطرق، وغالبية من سينجزونها سيكونون أكثر أمانة من غيرهم، وسيلتزمون كل شروط وقواعد التنفيذ. كما من الصعب تخيل، أو حتى تصور، أن مراقبي وزارة الأشغال، المنتدبين «للإشراف» على أعمال هؤلاء المقاولين، الذين سبق أن أدين عدد منهم، أكثر من مرة، بعمليات غش وتلاعب، سيكون بإمكانهم، مع قلة عددهم، نسبياً، وقلة خبرة غالبيتهم، تطبيق الأنظمة وشروط التنفيذ الدقيقة المطلوبة، خاصة مع طول فترة التنفيذ التي تبلغ ثلاث سنوات، وقد تمتد لأكثر من ذلك بسهولة. فالاعتماد الأول والأخير سيكون على الإشراف، وليس فقط على «تعهد الصيانة»، التي أصبحت، لأول مرة في تاريخ تنفيذ أعمال الطرق، عشر سنوات، بدلاً من خمس. وقد طمأنت وزارة الأشغال نفسها بأن المقاول سيضطر لتنفيذ أعماله بأعلى جودة، لكي لا يضطر مستقبلاً للصرف على أعمال الصيانة بأكثر مما هو مطلوب، علماً بأن كفالة الأداء ستصدر من البنك بعد انتهاء التنفيذ، وقد ترفض البنوك، حينها، لسبب أو لآخر، إصدار كفالة صيانة مدتها عشر سنوات لبعض المقاولين، وهذا سيدفع الوزارة لمصادرة الكفالة المتوافرة لديها، لتقوم هي بأعمال صيانة الطريق!! وهذا يذكرني بقصة جحا، الذي قبل تحدي الوالي بتعليم بغلته القراءة والكتابة مقابل تسلُّم المكافأة مقدماً، مع إعطائه فترة سماح طولها عشر سنوات. ولما ضحك الناس من غباء جحا، أبكاهم برده، قائلاً: إنه سيتمتع بمبلغ المكافأة لعشر سنوات، أثناء ذلك قد يتوفى الوالي، أو ينفق الحمار، أو يموت هو!
***
سبق أن اقترحت على وزيرة الأشغال المتميزة نورة المشعان، الطلب من كل مقاولي الطرق وضع لوحات، في أماكن عدة من المشروع، يذكر فيها اسم الشركة المنفذة وفترة بدء وانتهاء الأعمال، لتكون شاهدة عليها. فكثير منها ينطبق عليها المثل المصري الشهير: ناس تخاف، ما تختشيش!! فوجود اللوحة سيخفف من مغالاة بعضها في المخالفات، التي لا يمكن إلا توقع الكثير منها.
أحمد الصراف