عبدالرحمن الطريري
كتبت الأسبوع الماضي عن سيناريو فوز ترمب وأثره على الأوروبيين، مع إقراري بأن التكهن في الانتخابات الأمريكية صعب للغاية، حيث أصبحت أمريكا دولة مقسومة رأسياً خلال العقد الجاري، وتقريباً ابتداء من الفترة الرئاسية الثانية لأوباما.
واليوم استطلاعات الرأي التي لم تعد موثوقة بشكل كبير هذه الأيام، خاصة لأن العديد من الأمريكيين لا يبدون آراءهم أو لا يكونون ضمن عينة الاستطلاع مثل سكان الأرياف، تشير إلى تقدم هاريس في أربع من الولايات السبع المتأرجحة، وتقدمها بشكل عام بسبع نقاط، مع العلم أن استطلاعات الرأي حققت هامش خطأ يصل إلى 3.5 نقطة سابقاً.
لكن ماذا يعني فوز هاريس اليوم وهي التي قفزت من المقعد الخلفي كنائبة رئيس إلى مقود المرشح الرئاسي الديمقراطي قبل أشهر من الانتخابات، وتحديداً بعد الفشل الذريع للرئيس بايدن في مناظرته مع الرئيس السابق ترمب.
واللافت في الانتخابات هذا العام هو ارتفاع نسب التصويت المبكر، حيث تجاوز المقترعون حتى كتابة المقال خمسة وستين مليوناً، وهو الرقم الذي يتجاوز ثلث المصوتين في الانتخابات الماضية والذين بلغوا 159 مليوناً، حيث فاز بايدن بالانتخابات رغم تشكيك ترمب بها، وهذا ما عاد ليكرره اليوم مخاطباً جمهوره «الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يهزمنا هو الغش».
التصويت المبكر في بادئ الأمر يبدو إشارة لفوز هاريس، حيث أدلى 31 مليون شخص بأصواتهم عبر البريد الإلكتروني وهو ما يعد سمة ديموقراطية إلى حد ما، ويرجّح كفة كاميلا هاريس، التي يعدها الكثيرون ظلاً للرئيس أوباما، بشكل يتجاوز حتى الرئيس بايدن الذي شغل نائب الرئيس مع أوباما.
وبالتالي ما الذي تعنيه فترة رابعة لأوباما مجازاً، وماذا تغير في عقيدته بعد ثمانية أعوام من خروجه من البيت الأبيض، خاصة في الشرق الأوسط والذي لم يتمكن نائبه السابق من العودة على سبيل المثال للاتفاق النووي، وتقلب من إزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب في بداية فترته إلى قصفهم في الحديدة، ليس فقط بعد إضرارهم بالملاحة في البحر الأحمر بل بعيد محاولة قصفهم لإسرائيل.
أوباما لم يكن محباً لنتنياهو ولكن لا يبدو أن لدى الولايات المتحدة أي خيار غير دعم إسرائيل خاصة بعدما كشفت أن حزب الله نمر من ورق، واليوم أيضاً تعزز القوات الأمريكية من تواجدها في منطقة الشرق الأوسط بغية ردع إيران، بالرغم من أن ضربة إسرائيل الأخيرة كانت مقننة، وبايدن نفسه صرح بأن إسرائيل للمرة الأولى تلتزم بما نسقت به مع واشنطن.
وعليه، هاريس ستكون مجبورة على الحلول الشاملة، فهي تريد تهدئة مع إيران وإدماجها في المجتمع الدولي، رغم الضغط الذي يمثله استمرار نزاعها مع إسرائيل، وربما الأسوأ تقاربها مع روسيا، خاصة بعد تقارب روسيا مع كوريا الشمالية، وما الذي يعنيه زوجها اليهودي وظل أوباما في هذا الملف.
ومن جانب آخر لا تستطيع الإقدام على أي خطوات من شأنها زعزعة أمن إسرائيل، كحظر الأسلحة أو الحد من دعم تل أبيب، وفي شأن آخر لا تمتلك ترك أوكرانيا وأوروبا بشكل عام لمصيرها مع روسيا، خاصة بعدما شحذت موسكو عدة قوى لدعمها.
تظل هاريس سياسياً يمكن التنبؤ بخطواتها وليس كما هو الحال مع ترمب، بما قد يفعله كاغتيال قاسم سليماني، أو بما لا يفعله كالتجاوز عن إسقاط إيران لطائرة أمريكية، لكن بالتأكيد رغم كل المتغيرات في المنطقة، هناك دولة عريقة وشابة طموحة برؤية قيادتها وولي عهدها، الذي أكد على موقف ثابت للمملكة لا يقبل بالتطبيع دون دولة فلسطينية، مرسخاً موقف الملك فهد في قمة فأس 1982، ومبادرة الملك عبدالله في قمة بيروت 2002.