حمود أبو طالب
«يا حرّ قلبي على الفانين، حرّ المعاميل يا نورة.. ويا وجد حالي على الباقين، عواقب الظلم مخبورة.. ويا دمع عيني على الناجين، دمعٍ زَرَاقه من حجوره».
بهذه الكلمات وعلى أنغام فن «الهجيني» المحلي غنت إحدى أبرز رموز الفن الكلاسيكي البريطاني الفنانة «سارة كونولي» المشهد الثامن من الفصل الثاني من أوبرا زرقاء اليمامة، أول أوبرا سعودية عرضت في الرياض قبل فترة قريبة، لكن هذه المرة لم يكن الغناء بجوار كثبان اليمامة ولكن في قاعة سنترال وستمنستر في لندن، التي تمازجت على جدرانها العتيقة ملامح التأريخ مع نغمات الموسيقى ليكون المشهد فريداً وتأريخياً بامتياز.
تلك الفقرة لم تكن سوى واحدة من برنامج حافل متنوع شهدته لندن، العاصمة العريقة بكل حمولتها التأريخية من الثقافة والفنون، كانت ليلة «روائع الأوركسترا السعودية»، التي قدمتها فرقة الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، بالمشاركة مع الأوركسترا الملكية الفيلهارمونية البريطانية، التي تعد واحدة من أبرز الفرق الموسيقية في العالم. لقد كان تماهياً بديعاً ذلك الذي حدث بين الفرقتين السعودية والبريطانية، لأن الموسيقى لغة، لها حروف ومفاتيح من يجيدها يستطيع الحديث بها في أي مكان في العالم، وذلك ما أكد عليه سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، في كلمته التي تضمنها الكتيب التعريفي عن الحفلة، حين قال «للموسيقى دور هام في تشكيل ثقافة الشعوب، ونغمة فريدة للتواصل بين الثقافات، ولحن مختلف يجعل التواصل الإنساني أعمق، يسمو بالبشر، ويبعث في روح الإنسان بهجة وبريقاً مختلفاً، ومن هذا المنطلق أنشئت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي كأحد أبرز المبادرات الرئيسية لهيئة الموسيقى التي تساهم في تحقيق الإستراتيجية الثقافية للمملكة لتعزيز الوعي الثقافي كنمط حياة، وتماشياً مع رؤية السعودية 2030».
تمنيت لو شاهدتم معنا شباب وشابات الأوركسترا والكورال قبل بدء الحفل، وكيف كانوا مليئين بالزهو والاعتداد والثقة، رغم معرفتهم جيداً بثقل المسؤولية، 107 من الموسيقيين والمؤدين حولوا مساء السبت اللندني إلى مساء دافئ حميم انهمرت في موسيقاه وأزيائه ورقصاته وأغانيه كل تفاصيل الوطن، ومن كل جهاته، بين السامري والربش والينبعاوي والهجيني، إلى تنويعات الميدلي لأجمل الأغاني السعودية التي تم اختيارها بعناية فائقة وإخراجها في لوحات أوركسترالية عذبة، تؤكد أن فرقة الأوركسترا السعودية اكتسبت خبرة جيدة، ويتطور أداؤها في كل مناسبة جديدة من حيث المحتوى والأداء، ولا غرابة في ذلك لأنه يقودها شباب متخصصون طموحون مفعمون بالحماس والطاقة.
بالمناسبة، قبل بداية الحفل كان بجانبي في ردهة الانتظار شخص أمريكي، قال إنه قادم من نيويورك لحضور الحفلة والعودة في اليوم التالي، ولماذا يا صاحبنا الخواجة؟ قال لأنه شاهد حفلة الأوركسترا السابقة في نيويورك وأعجب بها كثيراً فقرر حضور حفلة لندن، ويخطط الآن لزيارة السعودية للتعرف عليها أكثر، أترون ماذا تفعل الفنون والثقافة؟ وللمعلومية فقد كانت هناك نسبة غير قليلة في الحفل من غير العرب، يصفقون بحماس ويتفاعلون ببهجة كبيرة.
شكراً لهيئة الفنون التي صنعت ليلة فخمة، حولت إحدى أمسيات لندن الباردة إلى تظاهرة فنية تشع دفئاً.