* * *
يتمتع التعليم في فنلندا بمستوى متميز، بسبب المعايير العالية جداً للمعلمين، حيث يتطلب منهم حمل الماجستير، مع اجتياز دورات تدريب مكثفة، ومقابلة شخصية.
وفي هذا الصدد، يقول خبير التعليم محمد الربيعي إن فنلندا لا تتبع أسلوب امتحان موحد، إلا في شهادة الثانوية العامة، وبالتالي يصنف جميع الطلاب على أساس فردي، ويتم تحديد الدرجات من قبل المعلم، وهذا يساعد في فهم نقاط قوة الطلبة، وتحسين مستوى الضعيف، وبشكل مستمر. ويتم التقييم بناء على قدرات الطالب الفردية، وجعل المدرسة مكاناً أكثر انصافاً واستمتاعاً، وأبعد ما يكون عن التنافس، تحقيقاً للمساواة الاجتماعية، حيث يتم الالتحاق بالمدرسة في السابعة، ويبقى إلزامياً حتى سن الـ16، ويقضي الطلبة أوقاتهم في بيئة تشجع على التفكير النقدي والتحليلي، من خلال بيئة تعليمية شاملة، تساعدهم على تطوير مهارات حل المشكلات والتفكير المستقل، من خلال فصول تضم عدداً أقل من الطلاب. كما يشتهر التعليم الفنلندي بأنه الأقل في ساعات الدراسة المنزلية، وتبلغ في المتوسط قرابة نصف ساعة.
أما التعليم في اليابان، الدولة المعروفة بتنظيمها الاجتماعي وثقافتها الغنية، فأمر آخر، خاصة أنها تغيّرت، ثقافياً وأخلاقياً وسياسياً، بعد هزيمتها المذلة في الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت نهضة هائلة، كان التعليم، وفق رأي الخبير الربيعي، حجر الزاوية في كل تقدمها ورقيها، لتركيزه على الانضباط والأخلاق والاهتمام بالتعليم الشامل، الذي يشمل الأنشطة اللامنهجية. هذه العوامل مجتمعة ساهمت في إعداد قوة عاملة ماهرة ومؤهلة، قادرة على قيادة الابتكار والنمو الاقتصادي.
كما تستثمر اليابان بشكل كبير في البحث والتطوير، مما يعزّز من قدراتها التكنولوجية والاقتصادية. التعليم في اليابان ليس فقط وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هو أيضاً أداة لتعزيز القيم الاجتماعية والأخلاقية، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك ومنتج.
هذه العلاقة الوثيقة بين التعليم والتقدم الاقتصادي تجعل من اليابان نموذجاً يحتذى في كيفية استخدام التعليم كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي.
* * *
نعود ونؤكد، وغيرنا، للمرة المليون، أن مفتاح تقدم ورقي أي مجتمع يكمن في تطوير التعليم، فمن أسباب تكرار هزائمنا في كل حروبنا العسكرية، ومعاركنا المستمرة ضد الفساد، واستمرار تخلفنا الصناعي والثقافي، وحتى الأخلاقي، يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف أنظمة التعليم في دولنا.
أحمد الصراف