سميح صعب
عشية انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من مخاطر تحويل لبنان إلى "غزة أخرى"، في خضم تصعيد للأعمال العدائية بين إسرائيل و"حزب الله".
ليس ثمة مبالغة في هذا التحذير، مع المنحى التصاعدي للقتال واحتمالات تحوله في أي لحظة إلى حرب مفتوحة. هل يمكن العالم أن يتحمّل غزة أخرى؟
هذا سؤال برسم قادة العالم الذين يلتقون غداً في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة، وما يمكن أن يفعلوه لمنع الانفجار الشامل في لبنان، وربما بما يتجاوز حدوده، إلى اشتعال كبير في الشرق الأوسط. منذ أكثر من 11 شهراً، وقف العالم نفسه عاجزاً عن وقف الحرب الدامية على قطاع غزة، فما الذي يجعله أكثر حماساً لإنقاذ لبنان من أن يكون غزة ثانية في منطقة تعهّد زعماء إسرائيل بجعلها كلها غزة كبرى، باسم "استعادة الردع" وباسم "المعركة الوجودية" التي يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يتعيّن خوضها كي لا تزول إسرائيل؟
بعدما شلّت واشنطن مجلس الأمن ومنعته من إدانة الحرب المدمّرة في غزة، باسم "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لا شيء يشي بأن الموقف سيتغيّر بالنسبة إلى لبنان. وهذه المعادلة التي لا تقف عند حدود وتتضمن مفهوماً فضفاضاً، تستخدمها إسرائيل أفضل استخدام، كي تستمر في حروبها المتعددة على غزة والضفة الغربية ولبنان.
باتت غزة أسطع دليل على إخفاق الأمم المتحدة في وقف الحرب، في تناقض مع المبادئ الأساسية التي أنشئت من أجلها المنظمة الدولية. لكن إسرائيل هي الاستثناء الذي وضع نفسه، بمباركة أميركا على مدى عقود، فوق كل القرارات الدولية، حتى ولو انتهكت القانون الإنساني الدولي وتمرّدت على كل المعاهدات والمواثيق الدولية.
اعتباراً من الغد، سيتحدث زعماء العالم عن ضرورة تفادي نشوب حرب شاملة على الجبهة اللبنانية، إنما من دون امتلاك الأدوات لفعل ذلك، ما ستعتبره إسرائيل دائماً ضوءاً أخضر لشن الحروب، ما دامت تدرك مسبقاً أن واشنطن ستهرع لحمايتها من أي تنديد أو إجراء. إن العجز الذي تواجهه الأمم المتحدة في غزة، ستواجهه في لبنان. ولن تغيّر التحذيرات الصادرة من هنا أو من هناك أو عن هذا المسؤول الدولي، شيئاً لردع إسرائيل عن المضي في شنّ حرب واسعة على لبنان. وهي ليست المرّة الأولى التي تفعل ذلك بذرائع مختلفة.
يحيلنا هذا الواقع المرير إلى التساؤل عن جدوى استمرار المنظمة الدولية بهيكليتها الحالية التي تعطي الخمسة الكبار الحقّ في تعطيل مجلس الأمن، إذا لم تكن مشاريع القرارات المطروحة عليه تتلاءم مع مصالح هذه الدول. وكل الكلام عن ضرورة الإصلاح في هذه الهيكلية لا يجد طريقه إلى التنفيذ. إنها معضلة تتسبّب في انتشار النزاعات المسلحة الدامية في أكثر من منطقة في العالم، وهذا ما عبّر عنه غوتيريش باعترافه بأن سرعة نشوب النزاعات تسبق المعالجات.
أخفق العالم في امتحان غزة، وأخفق في امتحان أوكرانيا، وفي امتحان السودان والكونغو الديموقراطية وهايتي من قبل، ويقف مغلولاً اليوم أمام امتحان لبنان. بيد أن هذا الإخفاق ينجم عنه سقوط الكثير من الضحايا ويتسبّب بالكثير من الدمار.
المسؤولون الإسرائيليون يكرّرون على الملأ عزمهم على مهاجمة لبنان، ونقل ما فعلوه في غزة إلى بيروت. وهم شرعوا فعلاً في ذلك.
حرب لبنان المقبلة سببها عدم وقف حرب غزة، ومن يدري أي حدود تقف عندها أي حرب مع لبنان، وأي معادلة جغرافية وسياسية يمكن أن تفرزها هكذا حرب في الإقليم بكامله.