تصلح عناوين كثيرة لسنة استثنائية مثل سنة 2024. على الصعيد العالمي يبرز عنوان عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والمخاوف الأوروبيّة المشروعة من تلك العودة، خصوصاً في ظلّ استعداد ترامب لعقد صفقة مع روسيا على حساب أوكرانيا. يتجاهل الرئيس الأميركي القديم - الجديد ما يمكن أن تتركه من آثار مثل هذه الصفقة، التي ستكافئ فلاديمير بوتين على حرب شنّها على دولة أوروبيّة مستقلّة، على القارة العجوز وكلّ دولة من دولها. الأهمّ من ذلك كلّه، انعكاسات مثل هذه الصفقة على الأمن الأوروبي وعلى مستقبل العلاقات الأوروبيّة – الأميركيّة، في وقت تمرّ دولتان أوروبيتان أساسيتان، هما ألمانيا وفرنسا في أزمتين داخليتين عميقتين. تكمن أزمة ألمانيا، المقبلة على انتخابات نيابية في شباط (فبراير) المقبل، في صعود اليمين المتطرّف بكلّ ما يمثّله من مخاطر أوروبياً وألمانياً. أمّا أزمة فرنسا، فإنّها في غياب قدرة مؤسسات الجمهوريّة الخامسة التي بناها الجنرال ديغول على التكيّف مع واقع سياسي جديد تسبّب به وجود إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه. تدور فرنسا في حلقة مقفلة، ليس ثمّة ما يشير إلى أنّها ستخرج منها قريباً في غياب تغيير كبير وإصلاحات في العمق على صعيد مؤسسات الجمهوريّة ذات النظام شبه الرئاسي الذي بناه ديغول. على صعيد المنطقة التي نعيش فيها، كانت سنة 2024 سنة التغيير الكبير الذي تسبّب به رجل اسمه يحيى السنوار، كان وراء هجوم "طوفان الأقصى". لم يعش السنوار ما يكفي لرؤية ما فعله بالمنطقة بدءاً بإزالة غزّة من الوجود وانتهاء بالقضاء على النظام السوري الذي عمّر 54 عاماً، والذي جعل من سوريا دولة تدور في الفلك الإيراني، خصوصاً منذ خلف بشّار الأسد حافظ الأسد في العام 2000. الأكيد أنّ الأسد الأب لم يكن بعيداً عن "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران، لكنّه حافظ في كلّ وقت على هامش ضيّق كي يسهل عليه ابتزاز العرب عموماً ودول الخليج العربيّة على وجه الخصوص. قضى "طوفان الأقصى" أيضاً على "حزب الله" بعدما استسهل زعيمه الراحل حسن نصرالله فتح جبهة جنوب لبنان وخوض حرب "إسناد غزّة". لم يدرك النتائج التي ستترتّب على مثل هذا القرار الذي في أساسه رغبة إيران في التأكيد للولايات المتحدة أنّ مفتاح توسيع حرب غزّة في يدها... وليس في يد إسرائيل وبنيامين نتنياهو وحكومته. ارتدّت الحروب التي خاضتها "الجمهوريّة الإسلاميّة" على إيران نفسها. أثبتت إسرائيل أنّ في استطاعتها خوض حروب عدّة في الوقت ذاته. ذهبت من القضاء على غزّة وتوجيه ضربة قويّة إلى "حزب الله"... إلى رفع الغطاء عن النظام العلوي في سوريا. من الواضح أنّ تركيا دخلت على خطّ الاستفادة إلى أبعد حدود من تراجع المشروع التوسّعي الإيراني. تركيا مكان إيران في سوريا. ذلك هو العنوان الأبرز لأحداث 2024. سيكون ذلك العنوان الأبرز لسنة 2025 أيضاً. ما الذي ستفعله تركيا بالورقة السوريّة؟ كيف سيستغلّ الرئيس رجب طيب إردوغان الفشل الإيراني؟ ليس مستبعداً أن تكون تركيا أكثر تعقلاً من "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي لم تستوعب يوماً أنّه لن يكون في استطاعتها إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا عبر القضاء على الأكثريّة السنّية في هذا البلد. ستكون سنة 2025 سنة الصعود التركي في المنطقة. سيعتمد نجاح تركيا ذات الاقتصاد الضعيف على مدى قدرتها على مدّ جسور مع القوى العربيّة الفاعلة أولاً وعلى التخلي عن أيدولوجية "الإخوان المسلمين" ثانياً وأخيراً. هل يمتلك إردوغان ما يكفي من الحكمة بما يسمح له باستيعاب أنّ المشروع الإخواني لا يصلح لبناء دولة عصرية في سوريا تنقل هذا البلد المهمّ إلى مكان آخر بعد سنوات طويلة من القمع والظلم والقتل والمتاجرة بالشعارات الوطنية مارسها حافظ الأسد وورّثها إلى نجله؟
سنة الصعود التركي...
مواضيع ذات صلة