: آخر تحديث

فرنسا في مواجهة المأزق السياسي والمالي.. نفق مظلم بلا نهاية

5
5
4

رامي الخليفة العلي

مع غروب شمس عام 2024، أعلن فرانسوا بايرو عن تشكيل حكومته الجديدة، وهي الحكومة الثانية التي ترى النور خلال أقل من ثلاثة أشهر. لكن يبدو أن حظوظ هذه الحكومة في الصمود ليست أفضل حالًا من سابقتها، في ظل أزمة سياسية متجذرة في قلب السلطة التشريعية. الجمعية الوطنية، التي تفتقد إلى أغلبية مطلقة، أصبحت منقسمة أيديولوجيًا وسياسيًا، مما يجعل التوافق على أي حلول أو إصلاحات أمرًا شبه مستحيل. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لجأ إلى حل الجمعية الوطنية في مايو الماضي، وقع في خطأ إستراتيجي جسيم. فبدلًا من تحقيق الهدف الذي أراده -وهو دفع الأحزاب للاصطفاف خلفه في مواجهة تصاعد اليمين المتطرف- جاءت النتائج عكس التوقعات. فقد شهدت الانتخابات تقدمًا لليسار واليسار المتطرف، اللذين ينظر إليهما ماكرون بريبة ورفض. وفي هذا السياق، تحول البرلمان إلى ساحة صراع انتخابي، حيث يستغل كل طرف منبره لتحقيق مكاسب سياسية على حساب المصلحة العامة. وفيما تتعمق الأزمة السياسية، تواجه فرنسا كذلك تحديات اقتصادية ومالية خانقة. الدين العام وصل إلى مستويات قياسية، حيث بلغت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي 112.5% في الربع الأول من عام 2024، مقارنة بـ111.8% في نهاية عام 2022. هذه الأرقام تتجاوز بكثير الحد الذي وضعه الاتحاد الأوروبي عند 60%، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الفرنسي. أما عجز الموازنة، فقد سجل نسبة 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، متجاوزًا التقديرات الحكومية التي توقعت نسبة 4.9%. يعود هذا العجز إلى عدة عوامل، من أبرزها: تراجع الإيرادات الضريبية: انخفضت صافي الإيرادات بمقدار 7.8 مليار يورو، ما يعكس ضعف الأداء الاقتصادي.

زيادة الإنفاق الحكومي: رغم محاولات الحكومة تقليص النفقات، إلا أن ارتفاع تكاليف دعم الطاقة والتضخم أدى إلى زيادة المصاريف.

هذه التحديات المالية لم تمر دون تداعيات خطيرة. تجاوز عجز الموازنة الحد الأوروبي البالغ 3%، مما دفع المفوضية الأوروبية للضغط على فرنسا لاتخاذ إجراءات تقشفية صارمة. علاوة على ذلك، خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني السيادي لفرنسا إلى «AA-» في يونيو 2024، وهو أول خفض منذ أكثر من عقد. في ظل هذه المعطيات، تبدو فرنسا عالقة في دوامة أزمات متعددة الأوجه. فالحكومة مطالبة باتخاذ تدابير إصلاحية جذرية تشمل زيادة الضرائب وفرض سياسات تقشف، إلا أن الانقسامات داخل الجمعية الوطنية والحكومات الضعيفة تجعل هذه المهمة شبه مستحيلة. الرئيس ماكرون، الذي بات ضعيفًا أمام معارضة متشددة، يواجه تحديًا غير مسبوق لإيجاد مخرج من هذا النفق المظلم. لكن الواقع السياسي والاقتصادي يشير إلى أن فرنسا قد تستمر في السير نحو مزيد من الأزمات، ما لم تحدث معجزة سياسية أو اقتصادية تعيد الاستقرار إلى البلاد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد