أما وقد تناولنا خلال المقالين السابقين، مقولة التخادم بين أميركا وإسرائيل والغرب كله -أو جُلّه- من طرف إيران وتوابعها، وأهمهم «حزب الله» اللبناني، وسُقنا حجج، أو بعض حجج، مَن يؤمن بهذه المقولة، ومذاهبهم في تفسير وجود هذا التخادم.
حان الوقت الآن لنتناول، قليلاً، بعض النقض على هذه المقولة، من الطرف الآخر، وخلاصتها:
أنتم واهمون، غارقون في نظريات المؤامرة، وليس هناك تفاهم ولا تخادم ولا تآمر بين النظام الإيراني الأصولي، وتوابعه، مع الغرب، خصوصاً أميركا وإسرائيل، هناك شدٌّ وجذب، لِينٌ وقسوة، حسب متغيرات السياسة.
إيران وميليشياتها، فجّرت بعثات أميركية، وقتلت الآلاف من الأميركيين في لبنان والعراق وغيرهما، وهي من فجّرت طائرة «لوكربي» البريطانية، وهي من فجّرت «أبراج الخبر» بمن فيها من الأميركيين، وهي التي ترعى «الحشد الشعبي» العراقي الذي بينه وبين الأميركيين صولات وجولات، وهي من آوت ودعّمت تنظيم «القاعدة» ورجال أسامة بن لادن.
أما من طرف أميركا، فهي التي تأذّت من اختطاف مواطنيها في السفارة بطهران عُقيب وصول رجال الخميني، وهي من فرضت حصاراً اقتصادياً قانونياً سياسياً عبر عقود على إيران، وهي من صنّفت إيران دولة إرهابية.
في العصر القريب فرئيسها دونالد ترمب هو من أمر بقتل أهم قائد إيراني لتمكين نفوذها في المنطقة، وهو قاسم سليماني، وتلميذه العراقي، أبو مهدي المهندس، ومعهم ثلة من رعاة الشر الإيراني، وترمب نفسه هو من مزّق اتفاق أوباما والديمقراطيين مع النظام الإيراني.
أما من طرف إسرائيل فلا حاجة إلى الكلام اليوم، عن عشرات العمليات ضد «حزب الله»، وخلخلة بنيته وقتل قادته وتدمير بيئته، الحاصل اليوم، كما لا ننسى ضربات إسرائيل الموجعة داخل إيران، سواء ضد المفاعلات النووية أو القواعد العسكرية أو القادة المهمين، مع النظام، مثل فخري زاده، شيخ البرنامج النووي، أو قيادات «القاعدة» داخل إيران، مثل أبي محمد المصري، أو رئيس «حماس» نفسها في قلب مقار «الحرس الثوري» بطهران، إسماعيل هنية.
هذا كلام الطرفين، ورأيي المتواضع، هو أنه صعبٌ القول بوجود تفاهم وتخادم تفصيلي بين أميركا وإسرائيل وإيران و«حزب الله» وبقية التوابع الإيرانية.
هناك «مذاهب» غربية وإسرائيلية مختلفة في التعامل مع الخطر الإيراني، مذهب يقول بالاحتواء والليونة والإغراء لتشجيع الاعتدال الإيراني على الازدهار، وهذا مذهب أوباما، وتياره الغربي، وهناك مذهب الردع، وهذا يمثّله ترمب ونتنياهو، وغيرهما، والردع على صور مختلفة، فمنه الشديد المباشر، ويمثّله نتنياهو، وهناك ردع أقل حدّة، يمثّله ترمب.
في كل الأحوال، لم يقل الغربيون، لا حمائمهم ولا صقورهم، إنهم يريدون اجتثاث النظام الإيراني من جذوره، ولا حتى «حزب الله»، فنتنياهو، وهو يثخن اليوم في «حزب الله»، يقول إنه يريد إرجاع الحزب إلى ما خلف الليطاني، ومنع أذاه ضد سكان إسرائيل الشماليين، ومنع تدخله في الحرب مع «حماس»... هذا هو المعلن.
والله أعلم ببواطن الأمور، لنا ظواهرها.