أسعد عبود
نفت إيران الأنباء الصحافية الغربية التي تحدثت عن تزويدها روسيا بصواريخ قصيرة المدى، في ظل المساعي التي يبذلها الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان لاستئناف الحوار مع الغرب، والتوصل إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني، في مقابل رفع العقوبات عن طهران.
لم تنفِ موسكو المعلومات التي وردت في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قبل أيام، ولم تؤكّدها، ما أوقع طهران تحت الضغوط، وأرغمها على إعلان نفي رسمي على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، الذي أوضح أن تزويد طهران لموسكو بالمسيّرات جرى في إطار اتفاقيات للتعاون العسكري بين الطرفين سابقة لنشوب الحرب الروسية - الأوكرانية.
لماذا سارعت إيران إلى النفي؟
سبق للولايات المتحدة ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي أن أصدرت تحذيرات من مغبة إقدام إيران على تزويد موسكو بصواريخ باليستية، وهدّدت باللجوء إلى فرض عقوبات قوية ومنسّقة على إيران. وتردّد أن الاتحاد الأوروبي قد يحظر هبوط طائرات الركاب الإيرانية في أي من الدول الأعضاء.
بمواكبة المواقف الصادرة عن بزشكيان ووزير خارجيته عباس عرقجي، يتبين أن ثمة اهتماماً ملحوظاً بالوسائل التي يمكن أن تعيد الحوار مع أوروبا. ومنح مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي السلطة التنفيذية الضوء الأخضر كي تستأنف الاتصالات مع الغرب، إذا كان ذلك يصبّ في مصلحة إيران. كما لفت إلى أن الاقتصاد يجب أن يحتل الأولوية في عمل الحكومة الجديدة.
مراقبون كثيرون يفسرون تأخير الردّ الإيراني على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران في تموز (يوليو) الماضي، على أنه بادرة إيجابية من إيران أمام المساعي الأميركية المبذولة للتوصل إلى وقف للنار في غزة، وبأن إيران لا تريد الإقدام على أي عمل عسكري غير محسوب يقود إلى مواجهة شاملة، لا تريدها، مع الولايات المتحدة.
وبناءً على ما تقدّم، تحرص إيران، التي هنأت أوكرانيا بعيد استقلالها الشهر الماضي، على عدم الظهور بأنها مزوّد رئيسي لروسيا بالسلاح، في وقت تسعى جاهدة إلى فتح قنوات الحوار مع الغرب. ولم تصدر أية إشارة إلى نجاح زيارة رئيس مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو لطهران في آب (أغسطس) الماضي. وقيل إن شويغو جاء يطلب صواريخ إيرانية عقب التوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، في أوائل الشهر الماضي.
في المقابل، تمتنع روسيا حتى الآن عن تزويد إيران بمقاتلات متطورة من طراز "سوخوي-25"، أو بأنظمة متطورة للدفاع الجوي من طراز "إس-400"، بما يعزز الدفاعات الجوية الإيرانية في مواجهة أي هجوم إسرائيلي أو أميركي محتمل على منشآتها الحيوية، وبينها المفاعلات النووية.
ولدى روسيا أيضاً حسابات دقيقة في هذا المجال، ولا تريد أن تذهب نحو خطوة تغيّر في موازين القوى في الشرق الأوسط، بما يثير حساسية دول الخليج العربية وإسرائيل والولايات المتحدة، وقد يدفع أميركا إلى تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة التي تشكّل خطراً فعلياً على روسيا.
هذه الحسابات من الجانبين، مضافاً إليها عتب إيراني على التسامح مع الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية أو مواقع لفصائل موالية لطهران في سوريا، علاوة على استياء إيراني من موافقة روسيا على فتح ممر "زنغزور" الذي يصل أذربيجان بتركيا مباشرة، ما يحرم إيران من الوصول إلى أرمينيا ومنها إلى أوروبا، تلقي بغلالة من الشك المتبادل بين طهران وموسكو.
لا يعني هذا مطلقاً حصول افتراق كبير في المصالح بين إيران وروسيا، إنما يفرض المشهد الدولي بكل تعقيداته قيوداً على الجانبين، كي لا يخطوان خطوات ناقصة، تزيد المتاعب الداخلية في بلدين يخضعان لأقسى عقوبات غربية حتى الآن.