بشرى فيصل السباعي
لأن موارد الدول محدودة مهما بلغ غناها، لذا هي أمام خيار حدي في استثمار مواردها المحدودة بمجالات السلم أي التنمية ورفاه المواطنين أو استثمارها في مجال الحروب، والشرق الأوسط في الغالب استثمر موارده في الحروب والصراعات والنتيجة أخبار العالم العربي هي باستمرار أخبار دمار ومجازر واغتصابات جماعية ومآسٍ تصدم العالم وتشوه الإنسان عقلياً ونفسياً وثقافياً وتشوه سمعة الدول وتصد السياح والمستثمرين، فما الذي يجعل بعض الثقافات تدفع أصحابها للاستثمار بالصراعات، بينما ثقافات أخرى تدفع أهلها للاستثمار في التنمية ورفاه الإنسان؟ الدافع هو أن بعض الثقافات تتمحور حول غرور الأنا/الإيجو الغرائزي البدائي المشترك مع الحيوانات، فجماعات الحيوانات كالقرود حياتها حروب دائمة على السيطرة، حيث يحدد الذكر المهيمن حدود منطقة سيطرته عبر إفرازات جسده ومن يتجاوزها يتم الفتك به وفي نفس الوقت يقوم الذكر المهيمن بغزو مناطق الجماعات الأخرى لتوسيع منطقة نفوذه، ولذا كلما كانت الثقافات أقرب للبدائية كلما كانت متمحورة حول صراعات السيطرة، وكلما كانت أكثر تطورا ورقيا كلما تمحورت حول الاستثمار في التنمية والرفاه العام، ولذا ما تحتاجه منطقتنا العربية والإسلامية الغارقة في الحروب والصراعات هو تطوير وترقية الثقافة العامة السائدة والتوعية بدونية الثقافة الغرائزية البدائية التي تدفع أصحابها إلى العنف والحروب والصراعات والإرهاب، وحتى بالنسبة للأراضي المحتلة فما سيحررها ليس الصراع المسلح لعدم تكافؤ ميزان القوى مع المحتل، فما يمكن للأراضي المحتلة أن تتفوق به على المحتل هو الاستثمار في التنمية والتطور حتى تفوق قوتها الحضارية سيطرة المحتل، بينما الصراع المسلح مع المحتل مع الفارق في ميزان القوى يستجلب الدمار الشامل والمجازر المروعة بدون أي فوائد، وسبب أساسي لهذا الواقع هو عدم شغل مناصب صناعة القرار من قبل التكنوقراط/ الخبراء/ المتخصصين إنما شغلها من قبل مسيسين تحركهم غريزة السلطوية ولذا حساباتهم لا تأخذ بالاعتبار مصلحة الشعوب إنما تقتصر على عنتريات وحسابات شهوة السلطوية الأنانية، ولذا مهما تم ابتعاث الطلاب للدراسة في الخارج لم يظهر أثر لذلك في التنمية العامة عربيا؛ لأنه لم يتم تكليفهم بالمناصب العليا وصناعة القرار، كما أن هناك حاجة للابتعاث للتدريب على تطبيق العلوم النظرية على أرض الواقع، فغالب الدول العربية لديها برامج ابتعاث منذ عقود ومع هذا لا أثر لها في تحسين واقعهم ولا إنتاج أي اختراع أو كشف علمي، مما يدل على وجود مشكلة في تطبيق ما تعلموه في الخارج، ولذا هناك حاجة إلى تدريب المبتعثين على تطبيق العلوم التي اكتسبوها، والشق الآخر لتطوير الثقافة السائدة هو مسؤولية صناع الثقافة العاملين بمجالات الفنون والإعلام والصحافة والفكر والمناهج الدراسية، وللأسف إنه عندما يكون صناع الثقافة أنفسهم غير متجاوزين للثقافة البدائية الغرائزية فكل إنتاجاتهم تساهم في تكريس ثقافة الحروب والصراعات الغرائزية البدائية وإن لم تحرض مباشرة على الحروب والصراعات لكنها تقولب الأجيال على الثقافة البدائية الغرائزية وهذا تلقائيا يدفعهم إلى الحروب والصراعات والإرهاب والعنف حتى بدون تحريض مباشر عليها ويمكن للعرب الاستفادة من مناهج الدول التي حصلت فيها نقلة نوعية من ثقافة الحروب والصراعات إلى ثقافة الاستثمار في التنمية والتطور والرفاه العام مثل اليابان والصين والدول الأسكندنافية، فالعرب عالقون منذ قرن في تكرار ذات الأنماط الكارثية العواقب بدون حصول أي تطور، بينما بقية دول العالم التي كانت في مصاف الدول العربية بدايات القرن الماضي صارت قوى عالمية تفوق قوتها القوى الغربية، بينما لازال العرب يراوحون مكانهم ولا يتعلمون من أخطائهم ولا يغيرون الثقافة التي ولدت تلك الأخطاء.