أوجّه هذه الرسالة إلى سمو رئيس الوزراء، وأتمنى أن يهتم بمضمونها، فقد طفح الكيل، وصار لزاماً أن يسمعها مسؤول بمستواه!
كُتب القرآن، قبل 1450 عاماً، على جلود وعظام وغيرها، في بيئة قاسية لا ورق فيها، وندر من امتلك حينها قلماً، دع عنك الحبر وأدوات الحفظ، ثم بُدئ في جمع ونسخ آياته سنة 25 هجرية، في كتاب واحد، وزّعت خمس أو ست نسخ منه على المدن الكبرى، ومع الوقت ضاعت جميعها، وتعددت قراءات القرآن مع تباعد المسافات، ثم توحّدت مع ابتكار تنقيط وتشكيل الكلمات، وبقي طوال كل العصور محفوظاً في الصدور، بالرغم من أن عدد نسخه، في أية مدينة عربية أو إسلامية، لم يكن يزد، في غالب الوقت، على العشرات.
بالرغم من كل تقلبات الزمان والخراب وآلاف الأحداث والحروب والحرائق والزلازل، فإن القرآن وصلنا، بشكله الحالي، وأصبح من شبه الاستحالة التلاعب به، من دون أن يكشف التلاعب فوراً!
قامت حكومتنا قبل 15 عاماً تقريباً، وبناء على إلحاح من جماعات مستفيدة من المتاجرة بالدين، وبضغوط شديدة من نوابها، بتأسيس هيئة للعناية بطباعة القرآن، وفشلت هذه الهيئة في طباعة نسخة واحدة. كما فشلت حتى في عملية استيراده، بعد أن تبيّن وجود أخطاء في ما استوردت. كما قاوم أغلب المشرفون عليها والمستفيدون منها كل الضغوط والمطالبات بحلها أو إعادتها إلى الأوقاف، كما أن معظم المستفيدين منها قاوموا كل المقترحات، وساندتهم أحزابهم بكل قوة، بالرغم من فشل هؤلاء الواضح في إدارة الهيئة، كما لم يتحرّك ضمير أي مسؤول فيها، مؤنباً صاحبه، على استمرار تلقيه رواتبه، دون أداء أي عمل.
الكارثة التي وقعت قبل أيام، تمثّلت في قرب قيام لجنة المناقصات بترسية مشروع بناء مجمع مطبعة القرآن بمبلغ 16 مليون دينار في جنوب السرة، على مساحة 16 ألف متر، بحجم مبانٍ يزيد على 60 ألف متر، في ما يشبه الصفعة في وجه كل مخلص ومحب لهذا الوطن، وفي تحدٍّ صارخ للمنطق والعدالة، ولكل الأولويات الأخرى، والأمور العاجلة، التي تنتظر دورها في التنفيذ!
لسنا حتماً ضد الفكرة، ولو أنها من مهام دول أكبر منا بكثير، بل ضد هذا الخلل الواضح في ما هو مهم وما هو أهم. ومن جانب آخر، فإن هذا المشروع سينتهي حتماً إلى أيدي غالبها غلاة متطرفي الأحزاب الدينية، وسيتحوّل إلى ساحة صراع بينها، كما هو الحال مع كل مؤسسات الدولة الدينية، خصوصاً أن الكيكة كبيرة هذه المرة، ومجال تعيين المنتمين إليها كبير جداً، علماً بأن أغلبية الكويتيين، من دون مبالغة، لا يحق لهم، كما هو الحال مع بقية ما يماثلها من هيئات يسيطر عليها غلاة المتحزبين الدينيين، العمل فيها، لفقدهم «الصفات والمؤهلات» الحزبية والدينية والسياسية المطلوبة!
لقد بيّنت مختلف تقارير الجهات الرقابية حجم الخلل الهائل في وزارة الأوقاف، وكل الجهات التابعة لها، ولم تكن هيئة طباعة القرآن بعيدة عن ذلك، إن لم تكن أكثرها خللاً.
نتمنى عليك، يا سمو الرئيس أن تقوم بوقف هذه المناقصة، فلا الظروف المالية، ولا السياسية، ولا الإصلاحية، مواتية لصرف عشرات الملايين على طباعة كتاب مقدّس موجود ومحفوظ في الصدور، إضافة إلى وجوده بالصوت والصورة والشرح والتوضيح في كل هاتف نقال، وبصورة أفضل بكثير من وجوده كورق مطبوع، ستتم قراءة كلماته، من السواد الأعظم، بطريقة خاطئة، بدلاً من سماعه بطريقة صحيحة وبصوت جميل، من خلال جهاز نقال؟
القرار لك، وسيبين حقيقة توجهات حكومتك، وأولوياتها، ومصداقيتها!
أحمد الصراف