محمد الرميحي
في الأسابيع الأخيرة انشغل العالم بموضوع واحد تقريباً، هو قدرة أو عدم قدرة الرئيس الحالي للولايات المتحدة على قيادة هذه الدولة الكبيرة في الأربع سنوات المقبلة. انتظر معارضو الرئيس أية زلات لسان أو غياب فكر، ليدللوا على عدم قدرته على فعل ذلك، كما انقسم مؤيدو الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه الرئيس، حول إمكانية منافسته لغريمه دونالد ترامب. الوحيد من السياسيين الكبار الذي يؤيد أن يكون بايدن هو مرشح الحزب الديمقراطي، هو السيد ترامب!، لأن معسكر الأخير يرى ربما عن حق أنها فرصة لهزيمته.
تردد أن عدم قبول السيد بايدن الاعتذار عن الترشيح محير. البعض يرى أن المحيطين به يمنعون عنه الحقائق، ذلك عذر غير منطقي، في مجتمع مثل المجتمع الأمريكي، مفتوح لكل التيارات والآراء التي يتابع الإعلام الشرس فيها كل شاردة.
أيضاً نرى أن عدداً من ممولي الحزب الديمقراطي يعلنون عن ترددهم في التبرع للحملة ما دام بايدن مصراً على خوض المعركة، وهي في رأيهم خاسرة، حتى أن البعض منهم قرر تمويل حملة غريمه الجمهوري، حتى لا يفوته في المستقبل الانتفاع بما قدم.
ربما هناك تفسير آخر يضئ على موقف بعض الديمقراطيين في الاستمرار بتأييد بايدن، على ما أظهر من (ضعف الذاكرة)، هذا التفسير يقول إن هناك (حكومة ظل) في الديمقراطيات الغربية ليس مهماً عندها من يكون على الكرسي الأول، المهم من يمسك بمقود السفينة ويوجهها.
المجتمع الصناعي العسكري صاحب النفوذ الضخم في تحديد مسيرة الإدارة السياسية يرى أن وصول دونالد ترامب إلى السلطة، يعني ضمن ما يعنيه، خروج الولايات المتحدة من قيادة الصراع في أوكرانيا، وبالتالي خسارة كبيرة للصناعة العسكرية، هذا اللوبي يرغب بأن يستمر الديمقراطيون في سياسة الإسناد للحرب في أوكرانيا، بدون شخص بايدن إن أمكن، وبوجوده إن كان يمكن تعويمه.
الجزء الآخر اللافت للنظر، أن بلاداً ديمقراطية مثل أمريكا، لا تستطيع أن تفرز قيادات لها ثقل سياسي وازن، منذ ربما نهاية الحرب العظمى الثانية، كان آخر الكبار العسكريين دوايت أيزنهاور، بعده تردت القيادات، وأدت فضائحها الكثيرة إلى تراجع الممارسة.
الديمقراطي الآخر الذي استطاع أن يقود أمريكا وهو مريض، كان فراكلين روزفلت (1933 – 1945)، كان مصاباً بشلل الأطفال، وهي إعاقة جسمية، وليست عقلية، وفي فضاء لم يكن قد تقدمت فيه وسائل الإعلام كما هي اليوم.
هناك احتمالان لا ثالث لهما، بقاء بايدن في السباق وخسارة الديمقراطيين على صعيد الرئاسة وأيضاً الكونغرس (بمجلسيه) نكاية من الناخب الأمريكي بتعنت الحزب من إنتاج بديل، أو تقديم بديل مقنع، إلا أن هذا الافتراض يبدو صعباً للغاية.
فالمرشح الأكثر حظاً والأيسر هو ترشيح كاملا هاريس نائبة الرئيس حالياً، قد ترضي بها الماكينة الانتخابية الديمقراطية، ولكن من المشكوك فيه أن يرضى بها الجمهور الأمريكي الناخب، كونها سمراء من أصول هندية، وربما مزاج الناخب الأمريكي عدم تكرار تجربة باراك أوباما التي يرى البعض في (الدولة العميقة) أنها أضرت بالمصالح الكبرى للولايات المتحدة.
يبقى الاحتمال الأقل، أن يفرز الحزب الديمقراطي مرشحاً من بين صفوفه، بعد عقده لمؤتمره الانتخابي العام في 19 أغسطس 2024، في حال اعتذار بايدن، أو إجباره على التنازل، ولكن ذلك المرشح (المجهول) يتوجب أن تكون لديه قدرات خارقة لجذب الأصوات، كون الفترة بين مؤتمر الحزب، وإجراء الانتخابات جد قصيرة.
واضح أن الآلية المتبعة لتحقيق الديمقراطية في الولايات المتحدة كما تصورها الآباء، وصلت إلى طريق يتوجب تصحيح مساره، فهل نحن أمام احتمال التنقيح الثامن والعشرين للدستور الأمريكي؟، حتى الآن لا حديث عن هذا الموضوع الهام!، وهو تصحيح قد يأخذ بفرض سقف سن أعلى للمرشح، ومنع المعاقين ذهنياً أو من تصدر عليهم أحكام من الترشح!