خالد السليمان
من الأشياء التي نفّرتني في صغري وبداية اهتمامي بقراءة المقالات والتحليلات السياسية من اليسار القومي العربي، تناقض معاييره في التعاطي مع هيمنة القوتين العظميين حينها أمريكا والاتحاد السوفييتي، فالأنظمة الإمبريالية في نظرهم عدوة الحرية مستعبدة الإنسان قاهرة الشعوب، بينما السوفييت محررو الشعوب ومتنفس الإنسانية وميزان العدالة !
كنت أنظر للواقع فأجد أن كلتا القوتين تسعيان لتحقيق مصالحهما وفرض هيمنتهما ومد نفوذهما دون رحمة، لكن أبداً أبداً لم يكن السوفييت بهذه الصورة النرجسية التي حاول القوميون الثوريون الراديكاليون العرب تسويقها وتاريخهم مليء بالقسوة !
اليوم تتكرر القصة مع تغير أطراف الصراع، فعرب دكاكين الشعارات ما زالوا على عدائهم التقليدي لأمريكا والغرب الذي يلجأ له بعضهم ويحلم باللجوء إليه بقيتهم، يعادون كل سياساته الدولية ويبرزون عيوبها، بينما يغضون الطرف عن سياسات روسيا ويجملونها، والصين التي على خلافات مع غالبية جيرانها !
الواعي الفطن يجب أن ينظر لمصالحه من كل ناحية، ويراقب هبوب الرياح من كل اتجاه، فلا يكون مغفلاً تغلبه عواطفه، يكسر قيداً ليقع في قيد آخر، ويستبدل استعماراً باستعمار وقاتلاً بقاتل !
والدول والشعوب التي وعت ذلك في الوطن العربي ومنطقة الخليج العربية منذ استقلالها أدركت مبكراً أن تحقيق مصالحها يقوم على انتهاج سياسات متوازنة مع جميع القوى وبناء جسور متينة بكل الاتجاهات لضمان استقرار علاقاتها الدولية ومصالحها الاستراتيجية، بينما وقع العاطفيون في فخ الشعارات، فتخلفوا عن الركب وظلوا أسرى مآسي مواقفهم، ودفعوا وما زالوا يدفعون أثماناً باهظة لنتائج ركوب الأمواج التي تتكسر عالياً على الصخور الصلبة !