أليس غريباً أن يحار الفهم في قدرة المستديرة على تجييش الشعوب؟ المسألة ليست لقول الأديب الفرنسي جورج دوهاميل ساخراً: «مئة ألف يتصايحون طوال ساعتين، بينما اثنان وعشرون فقط هم المستفيدون من الرياضة». هذا كلام لا يسمن ولا يغني من جوع إلى الذكاء التنموي. في دوّامة هذه الحيرة، ظل القلم كرقّاص الساعة الحائطيّة بين عنوانين: سخريات الفكر في كرة القدم، أم سخريات القدم في كرة الفكر؟
ما رأيك أنت؟ سخريات الفكر في لعبة التكوير، ستركل الخيال ركلة قصيرة تقليدية، فيها تمريرات كتلك التي يمارسها اللاعبون حين يريدون إضاعة الوقت، لأن الوقت يلعب لمصلحتهم. بالتالي ستكون سخريات الفكر أمراً عادياً. ما عساك تقول غير أن تنفث زفرات حرّى، ترثي بها التنميات المتعثرة، التي يبتلى فيها الشعب المصاب بكساح الاقتصاد وشلل التنمية، فلا يهبّ لنجدته ظهير أيمن أو أيسر بهجمة مرتدّة لتطوير المناهج وتشييد صروح البحث العلمي، فتسجل العلوم والتقانات سلسلة من الأهداف النظيفة.
واحسرتا على الأحلام التي تضنّ بتحقيقها عشرات السنين، في العالم العربي: هل رأيت يوماً جماهير عربيةً تغص بها الشوارع والميادين، وعلماء الرياضيات والفيزياء والأحياء والذكاء الاصطناعي، على الأعناق؟ عبقري العلوم لو سخّر نصف قرن من حياته في رفع هامة وطنه وأمته بين هامات الأمم المتقدّمة علميّاً، فإن ما يكسبه بألف معاناة، لا يساوي ثروة ركلة واحدة في مباراة لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولاً.
أمّا سخريات القدم في كرة الفكر، فمسألة فيها نظر، لأنها من نكد الدنيا على العقل التنموي. ترى بلداناً كبا بها ناهق الحظ في جميع الميادين الحيوية: اقتصادها جبال مديونية، أمنها ودفاعها مرمى بلا حارس ووكالة بلا بوّاب، مناهج بلا مباهج، بحثها العلمي «علمي علمك»، قضاؤها قضاء وقدر، بنيتها التحتية هي تحت كل تحت، أمّا الثقافة فقريبة من نطق يوسف وهبي، كان ينطق الثاء سيناً والقاف خاء مفخّمة. لكن، والحق لا يقال، تجد البلد، بالرغم من التنمية البائسة، متوقد العنفوان بعشرات النوادي القدمية، فترى الناس في حركتهم الدائرية كأنما ينتعلون الكرات، حتى إذا وضعت المعارك أوزارها، انتهى الهجوم وساد الوجوم، فما أثقل الهموم حين تنتقل من القدم إلى الرأس، عندها يقولون: «وأفقنا، ليت أنّا لا نفيق».
لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: ملاعب كرة القدم جميلة، لكن إذا كان البلد كله ملعب تنمية شاملة.