في فترة الصيف ومع سخونة الجو الحالية في المملكة، تعتبر حمــامات السباحة من المنافذ المهمة لملاطفتها، ومحاولة التعايش معها، وقد تكون هذه المسابح عامة في الفنادق والأندية الرياضية، أو خاصة في الشاليهات والاستراحات، والثانية أخطر لأن الرقابة عليها شبه معدومة، ومياهها حلوة وراكدة، ويجوز أنها لم تعقم أو يتم تغييرها منذ أشهر، ومعظم الأشخاص لا يهتمون كثيرا بنظافة المسابح، وفي هذا خطورة تزيد إذا كانت حرارتها دافئة؛ لأنها تعتبر من أخطر المياه الممكن السباحة فيها، وبمثابة المكان المثالي لتكاثر جرثومة (الأميبا) وكائنات مجهرية تقتل الإنسان، والأميبا تتغذى على أدمغة الناس، تماما كالزومبي في أفلام الرعب الهوليودية، ودخولها إلى جسم الشخص يحدث من خلال الأنف، وإن كان الشخص كاتماً لأنفاسه، ومن أول قفزة عامودية في الماء الراكد، وهذه الجرثومة تتجاوز حــــاجز الدم في الدماغ، وعند استقـــرارها فيـه، لا يستطيع جهاز المناعة التعامل معها، وتبدأ في أكله بـــلا توقف، ما يــــؤدي إلى نحول الجسد ومن ثم الوفــــاة.
السباحة من الرياضات السهلة والنافعة معا، ولا توجد فيها إصابات، كما هو الحال في كرة القدم، وفي الألعاب التى تعتمد على الاحتكاك بالخصوم، ولعلها أفضل من الركض، لأنها لا تضـــــع أوزانا على مفاصل الجسم، ولا يترتب عليها آلام في الـــركبة والكاحل، بخلاف أنها مفتوحة لكل الأعمار، والرئة عند السباحين أكثر كفاءة في التعامل مع الأوكسجين، وساعة سباحة واحدة كافية لحرق ما بين 300 إلى 700 سعر حراري.
علاوة على أنها رياضة تراثية، فأقدم حمام سباحة بناه الإنسان، كان في شبه القارة الهندية، عام 2600 قبل الميلاد، وقد تم تخصيصه للاحتفالات الدينية، وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى الحضارتين الرومانية واليونانية، وبني أول حمام سباحة روماني في القرن الأول قبل الميلاد، ومع بداية الألعاب الأولمبية الحديثة، بدأ بناء حمامات السباحة في بريطانيا، ولم تنشر الممارسة بشكلها الشعبي المعروف، إلا منذ قرابة 200 عام، وكانت البداية العربية، من الحمامات الرومانية في الجزائر، وأشهرها (حمام الصالحين).
إلا أن ما سبق لا يغير شيئاً في خطورة حمامات السباحة، وتحــــديدا في جانب الأمور الصحية واشتراطات السلامة، فقد أكدت الدراسات المتخصصة، أن معظم المسابح العامة، لا تخلو من وجود ما بين 30 إلى 80 ميليمتر من البول، لكل شخص بداخلها، ومادة اليوريا الموجودة فيه تتفاعل مع الكلور، وتنتج مواد مطهرة ثانوية، تسبب مشكلات صحية للسباحين والعاملين في المسبح، بما فيها أمراض البرد، التي يتم تعليقها على شماعة المكيفات، وهو ما يعطي المسبح رائحته النفاذة، ووجودها دليل قاطع على تلوث مياه المسبح، لأن الكلور بلا رائحة من الأســـــــاس، ولا يفترض أن تزيد نسبتــه عن واحد ميلغرام لكل لتر ماء، وتوجد أجهزة لقياسه بمعرفة غير المختص.
بالإضافة لأن الأهل من جانبهم يهملون الأطفال في المسابح، ما جعل غرق الأطفال يصنف كثالث سبب للوفاة غير المتوقعة في العالم، ووفق دراسة سعودية نشرت عام 2023، فإن 58 % من حالات غرق الأطفال في المسابح، حدثت لأطفال لا تتجاوز أعمارهم العاميـــــن، وفي مواسم الإجازات، وطفل من بين كل خمسة أطفـــــال من هؤلاء، أغلق ملفه بالوفاة، أو بإعاقة أثرت على مستقبله، ومتوسط حالات غــرق الأطفــــال في مدينـــة الرياض، استنـــاداً لأرقام الهـــلال الأحمر السعودي، تصل إلى حالتين في الأسبوع، وبعض المختصين يزيد على الإهمال، أن اشتــــراطات السلامة المقررة من جهاز الدفاع المدني، ليست حاضرة في هذه المسابح، ولا تخرج عن كونها ديكورا أو إكسسوارا، إن وجدت، فالعوائل السعودية والمقيمة، لا تعرف طريقة استخدامها، وليس بينها وبين هذا الجهاز تواصل فاعل، مع أن آلياته متواجدة في كل حي سعودي تقريباً، ولكن دون إنتاجية حقيقية، وأجد أن تخصيصه سيوفر على الدولة ميزانيات ضخمة، باستثناء مهام الحماية المدنية، لأنها تدخل في قضايا التعامل مع الكوارث الطبيعية والصناعية والإخلاء.
جامعة البرتا الكندية، توصلت في دراساتها، إلى أن حمام سباحة كبير، سعته في حدود 832 ألف لتر من الماء، يــوجد فيه نحو 75 لتراً من البــــول في المتوسط، ومن الخطأ الاعتقاد بقدرة الكلور على معالجته، لأن قدرته تضعف أمام اليوريا التي يحتويها، وبجانبها المركبات العضوية، كالعرق والأوساخ وزيوت الجسم، ما لم نقل بإمكانية مضاعفته لتأثيرها، المعنى أن الأمور الصحية ستتجه للأسوأ، وسيصبح الماء أكثر تلوثاً بالبكتريا والميكروبات والطفيليات وأمراضها، وبما أن البشرية لم تتخلص من مرض الطاعون، الذي تعملق بفعل المخلفات البشرية الملقاة في الشــــوارع، إلا باختـــراع نظام الصرف الصحي، فالحل الأمثل لحمامات السباحة، هو أن يتم بناؤها حصراً بالقرب من الشواطئ، وتعبأ بالمياه المالحة الجارية باستمرار داخل قنوات، بين المسبح والشاطئ العادي أو المصنوع، وسيكون المسبح معقما ذاتياً، دون استخدام الكلور أو تقييد حرية التبول.