* * *
ما كنت أتمنى قراءة هذا الوصف، أو تجاهله والمرور عليه مرور الكرام، دون التعليق عليه، فنسبة كبيرة من أهل الكويت أتوا من البادية، وهذا لا يجعل أياً منهم، بالضرورة، أقل من الآخرين، أو «فاقداً للروح الخفيفة أو الميل للظرف والنكتة»!
وحيث إن الكثيرين ربما قرؤوا كتاب الراحل صائب سلام (1905 - 2000)، ومروا على هذا الفصل، فمن الضروري، للتاريخ، توضيح بضعة أمور، سواء من قرأ أو لم يقرأ الكتاب، وليس لمؤلفه الذي توفي قبل قرابة ربع قرن.
كان عبدالله السالم شخصا مميزا في كل شيء، فقد تربى في كنف أمراء، أبا عن جد، وعاش في دار إمارة، وسكن القصور، طوال حياته، وكانت شخصيته بالفعل تتسم بالكاريزما مع مهابة واضحة، والكويتيون يعرفونه بـ«أبو الدستور»، وهو لقب يتسم بالكثير من التقدير.
تميز الراحل الكبير عبدالله السالم (1895 - 1965) بثقافته وحبه لقرض الشعر وسماعه. كما اكتسب معارف كثيرة من قراءاته، وسفره الدائم ومقابلاته مع كبار الشخصيات. كما أثر وتأثر بالنخبة الصادقة التي كانت ترافقه في الكويت وفي خارجها. وعُرف عن الراحل «ليبراليته»، وهي صفة تفرد بها عن كل أقرانه. كما كان محبا لعمل الخير، فقد كان أول من تبرع لإمارات الخليج، وصولا لعُمان واليمن، حيث بنى فيها عشرات المدارس والمستشفيات، مع كامل تجهيزاتها، وحتى دفع رواتب العاملين فيها.
* * *
كان لاتفاقيات التنقيب عن البترول، في منطقة الخليج، منذ بدايات القرن العشرين، طرفان، شركات البترول العالمية، وغالبا أمريكية أو بريطانية، ومهمتها الصرف من مالها على البحث والتنقيب عن البترول، وخسارتها لكل شيء إن لم تجد بترولا، وإن نجحت تقوم باستخراجه وبيعه، وإعطاء حاكم أو شيخ أو أمير المنطقة، المالك لكل ما تحت أرضها من ثروات، حصته من عائد البيع، بموجب بنود اتفاقية الامتياز.
اكتُشف البترول في الكويت عام 1939، ولكن أُغلقت آباره، بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، وأُعيد فتحها بعد الحرب، وتم تصدير أول شحنة عام 1946، وكانت تلك بداية رخاء الدولة.
لم يكتف الرجل الكبير عبدالله السالم، من منطلق نكران الذات، وإيثار شعبه على نفسه، بالتنازل، بعد فترة قصيرة، عن حصته من امتياز البترول، للشعب، بل قام فوق ذلك بإعادة العوائد، التي سبق أن تلقاها من شركة البترول لخزينة الدولة. ومثّل تصرفه، في حينه، قمة الكرم، وحركة غير مسبوقة في تاريخ الأمم.
لا يتسع المجال، في هذه العجالة، للحديث عن شخصية عبدالله السالم، التي لا يمكن إيفاؤها كامل حقها، مهما كتبنا، فما أعطاه لوطنه، وما فعل له، يبلغ أضعاف أضعاف ما أعطاه أفندية وبكوات وبشوات مختلف الدول العربية لأوطانهم.
أحمد الصراف