عندما ترى شارعاً باسم «خالد بن يزيد»، ليس غير خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سُفيان (ت: 85- 90 هجرية). يوجد خوالد، وباسم الأب نفسه، في معاجم الرّجال، لكن لا يذهب الذَّهن إلا إلى الأمويّ. يختلف الموقف مِن المسمى به شارع في إحدى العواصم، مَن يراه ابن يزيد، وتحضر في ذهنه قصة كربلاء (61 هجرية)، مع أنَّ خالداً لم يدركها، فيحتج غاضباً، وإن عرف ما عرفه عن دور ابن يزيد في العِلم والتّرجمة، لأنَّ الأمر يتعلق بالمسميات لا بالذَّوات، ومَن يراه مستحقاً إطلاق اسمه على شارع كونه أميراً أمويَّاً، وبذلك ضاع خالد العالم والأديب، بين الموقفين، فالطَّرفان يهمهما الاسم، وعليه ينسجان الموقف والرَّأي. قبل الإشارة إلى ما يتعلق بخالد، مِن علويَّة وأمويَّة، وكيف تصالح الأحفاد، وصاروا أنساباً وأصهاراً، دعونا نرى مَن هو خالد؟ كتب الجاحظ (ت: 255 هجرية): «كان خطيباً، شاعراً فصيحاً، حازماً ذا رأي، وهو أول من تُرجمت له كتب الطِّب والنُّجوم، وكتب الكيمياء» (البيان والتّبيين).
وأضاف أبو الفرج النَّديم (ت: 380 هجرية): «قيل له: لقد فعلت أكثر شغلك في طلب الصَّنعة (الكيمياء)، فقال خالد: ما أطلب بذاك إلا أن أغني أصحابي وإخواني، إني طمعتُ في الخلافة فاختزلت دوني، فلم أجد منها عوضاً إلا أن أبلغ آخر هذه الصِّناعة، فلا أحوج أحداً، عرفني يوماً أو عرفته، إلى أن يقف بباب سلطان رغبةً أو رهبةً» (الفهرست).
هذا، ورأى النّديم نحو خمسمائة ورقة له، منها كتاب الحرارات، والصَّحيفة الكبير، والصَّحيفة الصَّغير، ووصيته إلى ابنه في الصَّنعة (نفسه). تزوج خالد بن يزيد أمَّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، مِن زوجته ابنة عمه زينب بنت علي بن أبي طالب (الدار قُطنيّ، الأخوة والأخوات. المجلسي، بحار الأنوار)، أي كان الحُسين بن علي (قُتل: 61 هجرية) خالها. وكان عبد الله بن جعفر صديقاً لمعاوية بن أبي سُفيان (ت: 60 هجرية)، وقد بُشر بولادة ولدٍ له، مِن أم ولدٍ (جارية)، وكان عند معاوية بالشَّام، فأسماه «معاوية» (المسعوديّ، مروج الذَّهب والمرزباني، معجم الشّعراء).
كان معاوية المذكور شاعراً، وصديقاً ليزيد بن معاوية (ت: 64 هجرية)، وهو القائل فيه: «إذا مَذق الإخوان بالغيب ودَّهم/ فسيِّد إخوان الصَّفاءِ يزيد» (المرزباني). بعدها صار لخالد حفيد أسموه عليّاً، وكنيته أبو الحسن وأبو العُميطر، وهو عليّ بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، فوالد عليّ (عبد الله)، تزوج حفيدة العباس بن علي بن أبي طالب، نفيسة بنت عبيد الله بن العباس.
كان عليّ، العلويّ الخؤولة والأمويّ العمومة، يُردد: «أنا بن شيخي صفين» (المرزويّ، الفتن. ابن عساكر، تاريخ دمشق)، يقصد عليّا ومعاوية. ثار عليّ الأمويّ على العباسيين، وبويع بدمشق (195هجرية)، ثم غُلب وهرب (ت: نحو 200 هجرية). ظهر في كُتب عن المهدي المنتظر أنه «السّفياني» (كتاب الفتن). تداخل وتخالط الأبناء والأحفاد بمصاهرات وقرابات، بينما تُنصب اليوم الحرابات بالنزاعات الغابرة. على ما يبدو أنَّ الأولين لم تُغيَّب عقولهم، كي يؤبِّدوا العداوات، فكم كان آل الزُبير أعداءً للأمويين، لكنَّ العشق قرّب بين رملة بنت الزُّبير وخالد بن يزيد، وهو القائل: «تجُول خلاخِيلُ النِّسَاء ولا أرَى/ لِرَمْلَة خَلْخَالاً يَجُول ولا قُلْبَا» (الأصفهاني، الأغاني). أقول: ألم يجتمع علويون وأمويون في تلك الزَّواجات، وتبادلوا الوفودَ لإتمام الخطبة مثلاً؟ ألم يجتمع الأحفاد، في مجالس أسرهم في تلك المناسبات؟
مجرد تساؤل لا غير. يغلب على الظَّن أنَّ الأولين سيعتبرون ما يحصل اليوم هذياناً، عند المقابلة بين أمسهم ويومنا. أكتب لعجَبٍ عُجَاب، أن يكون عليّ أموياً ومعاوية حفيداً لأبي طالب؟! والحروب التي نحسُ بأوارها تجري بالأسماء، هذا، والعجز لأبي تمام (ت: 231 هجرية): «عجائبُ حَتَّى لَيْسَ فِيهَا عجائبُ» (الثَّعالبيّ، يتيمة الدَّهر).