شهدت دولة الإمارات، منذ نشأتها على يد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، خططاً تنموية عملاقة شملت البنية الأساسية على امتداد ربوع الوطن، وفي مختلف قطاعات الخدمات والإنتاج في تخطيط تنموي اتسم بالتوازن والشمولية، وعمق الرؤية.
ومن أبرز القطاعات التي شهدت نمواً كبيراً قطاع الزراعة، خاصة في العقدين الأخيرين، بسبب توجيهات القيادة الرشيدة التي حرصت كل الحرص على تعزيز الإنتاج الزراعي، ليس فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ بل سعت إلى تصدير الفائض، كي يسهم قطاع الزراعة بنصيب وافر من الدخل القومي.
وقد اتسعت الرقعة المزروعة على امتداد مناطق الدولة خلال السنوات الطويلة الماضية حتى أصبحت تزيد على 160 ألف هكتار، وقفزت قيمة الإنتاج الزراعي في الإمارات إلى 4.115 مليار درهم. وبالرغم مما يتميز به مناخ دولة الإمارات العربية المتحدة بأنه ذو طابع صحراوي، إلا أن الإرادة كانت صلبة في التهيئة لخلق نهضة زراعية حقيقية باستخدام مختلف الطرق الحديثة. فقد ظهرت الأنماط الحديثة في الزراعة ومنها الزراعة الملحية، والتي تتم من خلال المركز الدولي للزراعة الملحية «إكبا». والذي يقوم بتنفيذ برامج بحثية وتنموية، لتعزيز الإنتاجية الزراعية واستدامتها.
وخلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى المركز الدولي للزراعة الملحية «إكبا»، أكد سموه: «إن دولة الإمارات تولي الأمن الغذائي أولوية كبرى ضمن خططها التنموية، ومن هنا يأتي اهتمامها بالزراعة، واستخدام أحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية للنهوض بها وزيادة إنتاجيتها».
وقد تم في هذا المركز، مؤخراً، افتتاح منشأة جديدة للأبحاث الجينية المتقدمة تحت اسم «مختبر علوم الحياة الصحراوية»، بهدف تعزيز الأبحاث الجينية حول تطوير محاصيل ذات خصائص صحية وتغذوية وتكيف أفضل لتحقيق أنظمة غذائية مستدامة. ويمثل «مختبر علوم الحياة الصحراوية» مشروعاً مشتركاً بين «إكبا» والمنظمة العالمية للجينات التي تعتبر أكبر منظمة للبحوث الجينية في العالم، وسوف يسهم هذا التعاون في تسريع وتيرة اكتشاف وتطوير الأغذية والمحاصيل الأخرى المناسبة للبيئات، التي تتصف بأنها نظم بيئية زراعية تقيدها مجموعة من العوامل مثل: ندرة المياه، وملوحة التربة، والمياه، والحرارة، والجفاف، وغيرها من عوائق استنبات الأرض.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أطلقت دولة الإمارات عدة مبادرات مبتكرة لتسريع تبنّي التقنيات الحديثة في الزراعة، ومنها النظام الوطني للزراعة المستدامة الذي تم الإعلان عنه العام الماضي، والذي يهدف إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة من المحاصيل الزراعية، وتحسين المردود الاقتصادي للقطاع، وزيادة الاستثمارات فيه وتوظيف التكنولوجيا لرفع الإنتاجية الغذائية للقطاع الزراعي. كما تم زيادة استخدام التكنولوجيا المائية التي تعتمد على المياه الغنية بالمغذيات لنمو النباتات بدون تربة، أو بوجود كمية قليلة من التربة. وهذه الطريقة توفر ما يقرب من70% من المياه، في حين أنها تسمح لموسم نمو أطول، وتتجنب المواد الكيميائية الضارة. وحتى الآن، هناك 87 مزرعة تجارية تستخدم هذه التكنولوجيا.
إضافة إلى مشروع الزراعة العضوية التي باتت تنتشر على نطاق واسع في دولة الإمارات. وتخطط القيادة الرشيدة إلى ارتفاع قيمة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات إلى 19.3 مليار درهم بحلول 2025. وهو رقم كبير إذا ما قورن بغيره في العديد من الدول في المنطقة.
وقد اعتمد سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي، يوم الأحد الماضي، إطلاق «مجمع تنمية الغذاء ووفرة المياه» (AGWA) الذي يعد مجمعاً اقتصادياً متكاملاً في أبوظبي، تعزيزاً للجهود العالمية الهادفة إلى ضمان الأمن الغذائي والمائي، وإيجاد الحلول المبتكرة لمواجهة تحديات نقص الغذاء وشح المياه العالمي. ويشكل المجمع، الذي تقود جهود إنشائه دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، ومكتب أبوظبي للاستثمار، مركزاً عالمياً لتطوير المنتجات الغذائية المستحدثة ومكوناتها، والتقنيات الحديثة التي تضمن توفير المياه الصالحة للشرب، وتحسين طرق استخدامها.
إن اهتمام ورؤية سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد هو إضافة إلى رصيد الوطن التنموي والحضاري، وامتداد لنهج القادة العظام الذين يمتلكون رؤية وبصيرة بما يحتاج إليه الوطن والمواطن؛ لذا يحق لكل مواطن ومقيم على هذه الأرض المباركة أن يفتخر، وهو يطالع بصورة يومية على امتداد الوطن الغالي إنجازات حضارية جديدة تعلو وتشمخ فوق هذه الأرض المباركة، وسموه بهذه الرؤية يعطينا الأمان، ويقدم خريطة لمستقبل دولة الإمارات متمثلاً في قيادة شيمتها عمق الرؤية، والتفاني في خدمة الوطن والمواطن امتثالاً لشخصية القدوة، القائد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.
إن مثل هذه الأعمال التي تحمل في طياتها الكثير من المشاريع التنموية الاقتصادية، والخطط الطموحة، تثمر عن تحقيق راحة المواطن وتوفير سبل وسائل العيش الرغد، وذلك من خلال تشجيع القيادة للقطاع الخاص على الاستثمار في قطاع الزراعة داخلياً وخارجياً، حيث تقوم شركات إماراتية، مدعومة من الدولة، بالزراعة في إفريقيا وآسيا وأوروبا لتأمين الغذاء في دولة الإمارات، وتحقيق الرؤية الأغلى «صنع في الإمارات»، وهذا ما يفسر قيام دائرة التنمية الاقتصادية أبوظبي برؤيتها المتمثلة في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، واقتصاد يقوم على أساس المعرفة والابتكار. حفظ الله قيادتنا وأدام على بلادنا نعمة الأمن والأمان.