: آخر تحديث

خطوات المشي تنظم أفكارنا

2
2
3

من الجميل أن تنتشر رياضة المشي لمسافات طويلة، في الهواء الطلق، أو تلك التي تسمى «هايكنج»، فهذا النشاط، يعتبر نشاطاً ترفيهياً ورياضياً، وكما هو واضح يتمتع بشعبية كبيرة في مختلف أرجاء العالم، وفي نفس اللحظة يتيح التمتع بالمناظر الطبيعية، وممارسة الرياضة، والاسترخاء. وكما هو معروف، يمكن أن تتراوح هذه الرياضة بين نزهات قصيرة وسهلة، إلى رحلات طويلة وصعبة، تتطلب مستوى عالياً من اللياقة البدنية والتحضير.

البعض يتوجّه نحو هذه الرياضة، طبعاً حين يكون الطقس مناسباً؛ بهدف الهروب من روتين الحياة اليومية، وهي فرصة ليعيد الإنسان شريطاً من الأحداث التي مرت به، ويراجع مواقفه وردّات فعله، كأنه في حالة مراجعة داخلية يحاسب النفس، ويعزز المواقف والفضائل، وينتبه للزلات والأخطاء، إن وجدت.

في كل خطوة على تلك المسارات المتعرجة، نتعلم قيمة الصبر والتحمل، وكأن الطريق الصعب، المملوء بالأحجار والمنحدرات، يمثل تحديات الحياة نفسها، كل خطوة تتطلب تركيزاً وإصراراً، تماماً كما تتطلب حياتنا الشخصية والمهنية جهداً وعزيمة للتغلب على الصعاب.

ربما وجد الكثير من الناس الذين يحبون المشي في البرية، لمسافات طويلة، أن المكافأة، أو الفائدة، تكمن في قيمة اللحظة التي يعيشونها وهم يسيرون وسط الطبيعة، يتأملون ويبذلون الجهد والطاقة، في عالم يتّسم بالسرعة والضغوط، مما يُكسبهم أهمية اللحظة التي يعيشونها بعيداً عن تلك الضغوط، وكل تلك الهموم، وكأن هذا الوعي بالحاضر علمهم تقدير اللحظات الصغيرة في الحياة، وإيجاد السعادة في البساطة. وكأن مسارات المشي ليست تحديات جسدية، بل هي أيضاً مسافات نفسية وروحية نقطعها داخل أنفسنا. كل خطوة على هذه المسارات تنقش في الروح دروساً عن القوة والمرونة والتصالح مع الذات، وتذكرنا بأن قدرتنا على مواجهة تحديات الحياة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقدرتنا على استكشاف العالم بأقدامنا وقلوبنا.

يقول المخرج السينمائي الألماني فرنر هرتزوغ: «العالم يكشف نفسه لأولئك الذين يسافرون على الأقدام». هي ليست فقط رياضة أو هواية، بل هي رحلة تعيد تعريف معنى الحرية والاكتفاء الذاتي، في كل مرة نتحدى فيها أنفسنا لنصل إلى قمة جديدة، نكتشف أن القمم الحقيقية التي نسعى لتحقيقها تكمن داخلنا. ومع مشاهداتنا لغروب الشمس، نتعلم قيمة اللحظة، ونعود إلى حياتنا اليومية بروح مجددة، تحمل نظرة أعمق للوجود واستعداداً أكبر لاحتضان الحياة بكل أطيافها.

 

www.shaimaalmarzooqi.com


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد