: آخر تحديث

حُب المغامرة

22
22
22

‏لم يتعظ ملياردير جديد من حادثة غرق غواصة «تيتان» في يونيو 2023، بعد أن انفجرت في أعماق المحيط الأطلسي، بسبب ضغط هائل راح ضحيته خمسة مليارديرات. لم يتمكن هؤلاء من استكمال شغفهم في البحث عن حطام سفينة تايتانيك. الملياردير الأمريكي لاري كونور، يرى أن حادثة تحطم الغواصة الاستكشافية «تيتان»، كانت حالة شاذة. ولذلك، هو يسعى إلى خوض غمار المغامرة، كما ذكرت سكاي نيوز.

لماذا يغامر الأثرياء بأرواحهم؟ هل هي نتيجة طبيعة للثراء الفاحش الذي يدفعهم نحو تحقيق الذات، أم أن كل الملذات المادية لم تعد تشبعهم، فقرروا رفع سقف التحدي. عندما فُتِحَ باب التسجيل لرحلات الفضاء والغوص في أعماق المحيطات، تدافع الأثرياء لكي يظفروا بمقعد ذهبي.

دوافع الناس نحو الإقدام على مغامرة محفوفة بالمخاطر، تعود لأسباب شخصية، أو جينية أو ثقافية. فهناك من يحب أن يخاطر طمعاً في تحقيق عوائد مادية ومعنوية. ولذلك يقال في عالم الاستثمار، إن المخاطرة العالية تجلب عوائد مرتفعة. والعوائد قد تكون مادية أو معنوية. فزخم التقدير والإعجاب لمن يقفز من مرتفع شاهق، لا يعدله شيء، غير أن احتمالية الإصابة تبقى مرتفعة.

والأمر نفسه في أنواع معينة من التجارة والاستثمار ذات المخاطرة الكبيرة بطبيعتها، مثل تأسيس شركة جديدة، أو مضاربة في أسهم، أو استثمار «ملائكي»، إن جاز التعبير، وهو من يقدم تمويلاً فردياً أو مؤسسياً لشركات ناشئة مقابل حصة صغيرة. ولذلك، ينصح دوماً ألا تتجاوز المخاطرة نسبة محدودة من المحفظة المؤسسية أو الفردية.

وتحديد نسبتها يتوقف على مدى تقبل شخصياتنا أو سياساتنا للمخاطرة. ولكنها بجميع الأحوال لا يحبذ أن تتجاوز ما بين 5 إلى 25 في المئة من حجم المحفظة، إلا إذا كان هدف الصندوق استثمارياً جريئاً أصلاً، حينها ترتفع النسب.

هناك من يجد نفسه يخاطر بأمواله أو تصرفاته بسبب البيئة التي نشأ فيها، حيث جبلت على المجازفة. حتى البيت الصغير الذي يترعرع فيه المرء، هو ما يدفعه نحو مخاطرة تأسيس «بزنس» صغير، بدلاً من الاستسلام لسقف الراتب الضئيل. فقد وجد العلماء أن من نشأ في بيئة تجارية، أو لها تجارب في التجارة، تكون فرصة بعض أبنائها أكبر في خوض غمار ذلك التحدي.

هناك من يضطر إلى المخاطرة بحثاً عن الإثارة والتحدي، أو طمعاً في التقدير والاحترام. ومنهم من يجازف لتشرئب له أعناق الإعجاب، وينسى أنه يمكن أن يخسر كل شيء بلحظة.

ولذلك، هناك تصرفات تقلل من فداحة كثير من المخاطر، مثل تأمين أسباب السلامة، كربط حزام الأمان، أو وضع أكثر من عامل أمني في الطائرة أو الباراشوت، أو الألعاب الخطرة، فإذا ما تعطل أحدها عمل الآخر، كشبكة أمان. يسمى بالإنجليزية mitigating risk، أي تقليل المخاطر. والأمر نفسه يحدث براً وجواً وبحراً.

فشركة الغواصات الرائدة «ترايتون»، التي كلفها الملياردير كونور بصناعة غواصة جديدة من هيكل أكريليك، ستكلفه عشرات الملايين من الدولارات، لتلبي طموحه، وكذلك لرفع معايير السلامة.

ولدى غواصات الشركة المقدرة على الغوص في عمق عشرة آلاف متر (10 كيلومترات)، وهي أعمق قاع بحري يطلق عليه «خندق مارينا» (غرب المحيط الهادي)، الذي تمكن المخرج السينمائي الشهير جيمس كاميرون من بلوغه، حينما كان يستعد لتصوير فيلم وثائقي. غير أنه مهما بذل المرء أسبابه، قد يكون مصيره مصير غواصة «تيتان»، التي انفجرت على عمق ثمانية أمتار، وسط ظلام دامس.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.