من أكثر المواقف التي يكرهها المديرون تلك التي يتجاوزهم فيها أحد المرؤوسين للتحدث مع الإدارة العليا من دون أن يعلمهم بتصرفه. إذا كان الأمر مرتبطاً بشكوى ضد المدير نفسه أو ظلم وقع عليه، فيعد الأمر مفهوماً وطبيعياً لا سيما إذا استنفذت كل السبل. غير أنه إذا أصبح عادة في كل شاردة وواردة هنا يتعرض المدير للإحراج.
ففكرة التراتبية الإدارية مبنية على أن لكل مستوى وظيفي صلاحيات ومسؤوليات وواجبات. فمن واجبات المدير أن يدرس كل مشكلة جيداً ويضع حلولاً لها قبل رفعها للقياديين أو الإدارة العليا. كما أن من واجب المدير التأكد بأنه يوزع مهامه بشكل حكيم على مرؤوسيه لضمان حسن أداء كل فرد للمهمة التي يجيدها.
وإذا لم يكن كذلك يضم إليه شخصاً آخر يكمل نقصه. وبعد ذلك كله يقع في صميم عمل المدير مهمة الذهاب إلى الإدارة العليا أو المسؤول المباشر لشرح المشكلة بنفسه وطرح الحلول. ذلك أن المدير أعلم من مرؤوسيه بمتطلبات الإدارة العليا، وهو أخبر بالأولويات، وفي كثير من الأحيان «النفسيات».
ولذلك يجد المدير نفسه أحياناً لا يمارس المهنية أو الدور الإداري بقدر ما يمارس أموراً نفسية مرتبطة بشخصية كبار المسؤولين الصعبة أو المتناقضة أو الحادة أو النرجسية وغيرها. ولذلك حينما يخترق مرؤوساً مديره نحو المسؤول المباشر لمديره هنا تقع إحراجات كثيرة.
فقد يكون المدير قد أخبره مسؤوله بأن المشروع أو التقرير الفلاني سوف ينتهي منه فريقه بعد ثلاثة أيام مثلاً، لكن مسؤوله يكتشف أن التقرير جاهز بشهادة المرؤوس. ولا يعلم المسؤول أن المدير قد خصص لنفسه يومين أو ثلاثة لمراجعته ثم إرجاعه لفريقه لإكمال النواقص أو غيرها من باب تحسين جودة العمل.
وهذا التداخل في الأدوار أو بالأحرى عدم الاكتراث بأهمية التراتبية يربك العمل الإداري. فلكل مدير أسلوبه في العمل، فضلاً عن أن الإدارة العليا لا تعلم تفاصيل التحديات التي يكابدها المدير مع فريقه، مثل تسيبهم، أو عدم دقتهم، أو انخفاض روحهم المعنوية وغيرها.
وهو كمن في فمه ماء لا يستطيع الشكوى لأحد لأنه هو المسؤول في نهاية المطاف، ولا يريد أن يشوه سمعة فريقه الذي تعب على تدريبه أو أنه مضطر للمحافظة عليهم على اعتبار صعوبة التوظيف أو البحث عن بديل مناسب في المرحلة الحالية.
ويتجاهل كبار المسؤولين التراتبية الإدارية، إما جهلاً بعدم صحية تصرفهم أو افتقاراً للمهنية، أو قد يتعمدون فعل ذلك خفية أحياناً لفهم تفاصيل مشكلة خطيرة أو تكاد تستفحل لم يساعدهم المدير في فهم تداعياتها. فيرهفون السمع (مؤقتاً) للمرؤوسين ليدركوا مجريات الأمور. وتحدث هذه عادة في المؤسسات الكبرى ذات الأعداد الهائلة من الموظفين.
كما أن الخبرة الإدارية تعلم المدير بأنه إذا ما رأى مسؤوله المباشر يتجول في أروقة الإدارة ويسأل صغار الموظفين عن تفاصيل على غير عادة، فإن ذلك الأمر يجب أن يؤخذ على محمل الجد. خصوصاً إذا استدعى المسؤول مرؤوساً (متجاوزاً مديره) ليسأله عن حيثيات كثيرة.
وربما يزيد قلق المدير تجاه التصرف عندما يكون اللقاء طويلاً مع مرؤوس لساعة أو أكثر. هنا يشير الأمر إلى أن الموضوع ليس استفساراً عابراً. ولذلك من حق المدير أن يسأل بهدوء مرؤوسه: ماذا قال المسؤول المباشر؟ لأنه من واجبه أن يفهم الرسالة المبطنة ما بين السطور والتي قد لا يفهمها مرؤوس حديث عهد في ميادين العمل.
إذن الحل للحفاظ على التراتبية ألا يستخدمها كبار المسؤولين بتجاوز من هم تحتهم بالهيكل التنظيمي إلى مرؤوسيهم إلا في حالات ضيقة جداً، كغياب المدير أو استفسار عابر.
وقد أعجبني عضو مجلس إدارة مصرفي خليجي ذائع الصيت عندما قال لي إن من صلاحيته كرئيس لجنة منبثقة من المجلس أن يسأل الإدارة التنفيذية ما يشاء لكنه يصر على إخبار المدير العام بكل سؤال وطلب قبل أن يتوجه إلى الشخص المعني في الإدارة تقديراً للتراتبية الإدارية. وهذا مما يعزز من ثقافة الاحترام الإداري، والتواصل الفعال، وعدم إرباك سير العمل.