في حوارٍ معه قال الكاتب الإنجليزي غراهام غرين (1904 – 1991)، إنه يبدأ صباحه كل يوم بتناول فنجان شاي، ثم يشرع في كتابة ما مجموعه ثلاثمئة كلمة، قد تزيد أو تنقص قليلاً. كان غرين وقتها في الرابعة والثمانين من عمره، لذا قال إن الأمر كان مختلفاً وهو في عمر أصغر. في السابق كان يلزمه لإنجاز كتاب جديد تسعة شهور، وبات الأمر يتطلب نحو ثلاثة أعوام حين تقدّم به العمر.
في الوقت الذي أجري معه الحوار كان غرين مُنكبّاً على وضع رواية جديدة تنطلق من السؤال التالي: «هل نستطيع أن نميّز بين الخير والشر؟»، وقال إنه لم يتعذب في وضع كتابٍ كما تعذّب مع هذا الكتاب ربما لشعوره بأنه سيكون كتابه الأخير.
هنا سأله محاوره: «تقصد التقاعد عن الكتابة؟»، فأجاب «لو كنت في الخامسة والستين فإن تقاعداً مثل هذا سيكون مُدمّراً، لكني اليوم في الرابعة والثمانين». قبل أن يستدرك: «في الكتابة ليس للعمر أهمية، لكن التقاعد يأتي بقرارٍ داخلي»، وسبق له أن فكر في التوقف عن الكتابة في عام 1960، أي قبل وفاته بواحد وثلاثين عاماً، بعد صدور روايته «موسم الأمطار»، لكنه أصدر بعدها «دزينة روايات» حسب قوله. لذا بدا متردداً في أن يكون جازماً في شعوره بأن الرواية التي يكتبها ستكون الأخيرة.
في طقوس كبار الكتّاب غواية لا يمكن مقاومتها من قبلنا نحن معشر القراء. وهذا ما نجح محاور غرين في استدراجه إلى الافصاح عن بعضها. فبالإضافة إلى كوب الشاي الصباحي، والصفحات الثلاثمئة التي يكتبها كل صباح، فإنه بعد الغداء يخلد إلى قيلولة، وحين ينهض منها يشرع في تصحيح ما كتبه في الصباح عبر القراءة بصوتٍ عالٍ، فذلك يجعل حاسة السمع عنده مرتاحة. قال أيضاً إنه عندما تصعب لديه الكتابة في الليل يُفضل أن ينام، وفي الصباح تُحلّ الأزمة بسهولة، حين يجد نفسه يتدفق في الكتابة.
رداً على سؤال: لماذا هو متحفظ في استخدام أسلوب المتكلم في رواياته، قال لأنه لا يحبّ أن يتحدث عن نفسه، فهذا يعني توريط آخرين معه ما زالوا أحياء، وهو لا يريد كسر حريتهم الشخصية التي يؤمن بها. «ولكن ماذا لو كتب أحد عنك بعد وفاتك؟»، سأله المحاور، فأجاب: «لا يهمني الأمر. سأكون ميتاً».
غراهام غرين الآتي إلى الأدب من الصحافة شأنه شأن غابرييل ماركيز كان على وشك أن ينال جائزة نوبل للآداب عام 1967، ولكن بفارق أصوات قليلة ذهبت لأديب آخر. أحد العارفين بخبايا الجائزة نقل له أن أحد المحكمين قال: «أفضل الموت على منح الجائزة لغرين».