: آخر تحديث

السوداني في واشنطن.. أهداف اقتصادية وسياسية

10
10
11

قبل أن يذهب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى واشنطن، منتصف الشهر الماضي، كان الانقسام على أشده بين السوداني ومؤيديه، وبين القوى المناوئة له، حول الهدف المحوري من الزيارة التي هي الأولى من نوعها منذ تولي السوداني مقاليد الحكم. فالقوى المناوئة له، بخاصة الفصائل المسلحة العراقية، كانت تتطلع إلى أن تحسم زيارة السوداني الجدل الخاص بشأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق لمصلحة الانسحاب الذي تصرّ عليه. فهذه الفصائل لديها قناعة بوجود قوات أمريكية في قواعد عسكرية أمريكية مثل قاعدة «عين الأسد» بمحافظة الأنبار، غربي العراق، وقاعدة «حرير» في أربيل بإقليم كردستان. أما رئيس الوزراء فله رؤية مختلفة، حيث أكد أن هدف الزيارة هو الانتقال بالعلاقات مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة تتضمن تفعيل بنود «اتفاقية الإطار الاستراتيجي» التي تتماشى مع برنامج الحكومة الذي يركز على الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وفي سائر المجالات المهمة، وكذلك ما يسميه ب«الشراكات المنتجة»، مع مختلف دول العالم. ولعل ما يؤكد أولوية هذا الهدف على الهدف الآخر لدى الفصائل المسلحة، وهو إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، أن الوفد الرسمي العراقي الذي رافق السوداني لم يضم مسؤولين كباراً على مستوى الأمن، بينما طغى رجال الأعمال والمصرفيون، ما يعكس مسارات المشاورات والمباحثات التي جرت مع كبار المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكين جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن. ووصل الأمر برئيس الحكومة العراقية لدرجة إعلانه، قبل لقائه مع الرئيس بايدن، أن «الفصائل المسلحة ستنتهي في العراق، وأنه يحتاج إلى الوقت لإدارة تعقيدات هذا الملف».

لذلك يصعب القول إن زيارة السوداني إلى واشنطن فشلت في تحقيق أهدافها، في ظل الانقسام الداخلي في العراق على هذه الأهداف، وانحياز رئيس الحكومة، وحلفائه من قادة السنّة والكرد في العراق، إلى خيار الإبقاء على علاقة مميزة مع الولايات المتحدة، وعدم إعطاء الأولوية لهدف «انسحاب القوات الأمريكية من العراق»، على نحو ما تطالب الفصائل المسلحة المقربة من إيران، على أساس أن الوجود الأمريكي أضحى ضرورة لموازنة الوجود الإيراني من منظور الكرد والسنّة. وإذا كان السوداني قد صرح قبيل زيارته لواشنطن بأن من بين أهداف هذه الزيارة مناقشة «مرحلة ما بعد التحالف الدولي»، أي أنه لم يسقط من بين أهدافه الحرص على وضع نهاية للتحالف الدولي الذي تشكل من 86 دولة منذ عشر سنوات لمقاتلة تنظيم «داعش»، فإنه، وكذلك واشنطن، أعلنا «الالتزام باتفاقية الإطار الاستراتيجي، والعمل على تعميق رؤية مشتركة لعراق آمن وذي سيادة، ومزدهر، ومندمج بالكامل في المنطقة الأوسع»، وفقاً لبيان صدر عن البيت الأبيض، كما أعلن مكتب السوداني أن الزيارة تهدف إلى البحث في أفق العلاقات المستقبلية في مرحلة ما بعد التحالف الدولي، وأفضل السبل للانتقال إلى شراكة شاملة بين العراق والولايات المتحدة، في ضوء اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين في المجالات السياسية، والاقتصادية، والمالية، والثقافية، والتعليمية، والأمنية.

من هنا يتضح أنه لم يذهب إلى واشنطن لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، على نحو ما كانت تأمل الفصائل العراقية المسلحة التي تجاوزت مصطلح «الانسحاب»، والحديث عن «طرد» القوات الأمريكية، وأكبر دليل على ذلك ما صدر عن السوداني نفسه، من تصريحات في لقائه مع الصحفيين في واشنطن رداً على سؤال بشأن الجدل الدائر حول وجود قوات قتالية أمريكية في العراق، وهل تضمنت المباحثات التي أجراها مع الإدارة الأمريكية جدولاً زمنياً واضحاً للانسحاب؟ فكان جوابه «لا وجود لقوات قتالية في العراق كي تنسحب»، وأكد أن العراق في عام 2024 مختلف عن عراق 2014، حينما بدأ عمل قوات التحالف. وفي ردّه على الهجمات المسلحة التي تقوم بها «كتائب حزب الله» في العراق، على المقار والمنشآت الأجنبية، قال السوداني إنه «يرفض أي اعتداءات مسلحة في المناطق التي يوجد فيها المستشارون، ولا يسمح لأي مجموعة مسلحة بالعبث بالأمن والاستقرار».

تصريحات السوداني تكشف أنه وصل إلى توافق مع الأمريكيين حول بقاء القوات الأمريكية في العراق، وأنه لن يتردد في الصدام مع الفصائل المسلحة، بخاصة ما تسمى ب«المقاومة الإسلامية في العراق»، التي كانت قد أعلنت أنه «لا قيمة لاستبدال الاحتلال الأمريكي لمسمياته، تارة ب(التحالف)، وأخرى ب(شراكة أمنية مستدامة)، وغيرها، ما دامت قواته المحتلة على صدر العراق الجريح تستبيح سيادته، وتنتهك أجواءه، وتسيطر على القرار الأمني فيه».

ملامح الصدام عادت لتفرض نفسها في العراق، على أثر الانفجارات التي وقعت في معسكر «كالسو» شمال محافظة بابل يوم 21 الجاري، حيث سارعت جماعة «الحشد الشعبي» إلى اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل بالضلوع في الهجوم، وعلى أثر رد المقاومة بإطلاق خمسة صواريخ من بلدة «زمار» صوب قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا في أول هجوم منذ شهرين، ما يعني أن المواجهة تتجه نحو التصاعد، ليس بين فصائل المقاومة والأمريكيين فقط، ولكن بدخول النظام في العراق طرفاً آخر في هذا الصدام، في وقت شديد الحساسية للمواجهة المتأججة بين إيران، وإسرائيل وخلفها الولايات المتحدة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد