بدأ عمل هيئة الأزياء السعودية في 2020، وقد قامت خلال الثلاثة أعوام الماضية بأعمال جيدة، ودعمت الناتج المحلي الإجمالي بما نسبته 1,4 %، أو ما يعني بلغة الأرقــــام 12 ملياراً وخمسمـــــائة مليون دولار، وهناك توقعات تشير إلى أن الأزياء السعودية ستعيش طفرة في 2025، وسترتفع مبيعاتها بنسبة 48 %، أو لنحو 32 مليار دولار، ومن أولوياتها: بناء قيمــــة سوقية عالمية للعــلامات التجارية الوطنية، وقد أقامت هيئة الأزياء معرضين في 2021، الأول في نيويوك، والثاني في ميلانو، والثالث كان في باريس قبل عام، وتم عرض مئة علامة سعودية فيه، وفي اليوم الوطني السابق عرضت وبيعت منتجات أربعين علامة سعودية في ميلانو، وكل هذه المدن تركز على تقديم وتصدير الموضة، لأن إنتاجها وتصنيعها يتم في بلدان كالصين والهند، ولأسباب تتعلق بانخفاض التكلفة.
الزي السعــودي فيـــــه تنوع واسع، وزخـــــارف ونقوش مبدعة، وفي المملكة ملبوسات تقبل إعادة القولبة، كالمشلح والدقلة والمرودن والشماغ، ومناديل الرأس وعقدها وألوانها، ودلالاتها على المرأة العزباء والمتزوجة والمطلقة والأرملة، وبعض العباءات النسائية مأخوذة من (الكيمونو) الياباني، أو قد تلجأ إلى توظيف النقوش الأذربيجانية، ما يعني أن الموضة قد تغير في دلالة الأشياء، وقد تأتي من خارج الثقافة في بعض الأحيان، وكلهــــا تقبل الابتكار والتطوير، بما يتناسب وأذواق المجتمعات المستهدفة بالماركات الوطنية، وتحويلها من مجرد لبس أو (دريس) إلى موضة أو (فاشن)، وخصوصاً أزياء المملكة المحافظة، لأنها مطلوبة في حالة التوجه إلى السوق الإسلامي، فهو كبير وقوته الشرائية عالية، ومن الأدلة عليها النجاح الهائل لتجــارة الأغذية الحــــلال حول العالم، ودخول لاعبين أجانب وغير مسلمين فيها.
تبعية الأزياء لوزارة الثقافة يفيد بأن الهوية السعـــودية حاضرة في الخلفية، لأنها لا تقف عند حد الموضة وحدها، وإنما تتجاوزها إلى هوية من يرتديها وثقافته، وتعكس أفكاره ومعتقداته، ومن الأمثلة: قمصان جيفارا لمثقفي الشيوعية، وقمصان بوب مارلي لمحبي السلام أو الماريغوانا، والقمصان والبناطيل الواسعة في تسعينات القرن العشرين لمغني الـ(هيب هوب) أو الأميركان من أصل أفريقي، واستخدامها كوسيلة لإيصال المعاناة والظلم والعنصرية، وملابس الـ(سبيس إيج) المتأثرة بأفلام من نوع (ستار تريك) والمصنوعة في معظمها من النايلون وبأشكال غربية في الستينات الميلادية خلال سباق الصعود إلى الفضاء بين الاتحاد السوفيتي السابق وأميركا، وانتشار التنورة القصيرة بين النساء في الموجة الثانية للحركة النســــوية حينها، و(الهيبيز) في أوروبا وأميـــــركا، وارتدائهم لعبـــاءات سكان المكسيك الأصليين، وأكمام أزيائهم المنفوخة، والخرز على ملابسهم وأجسادهم، وشعر رؤوسهم الطويل في ثقافة مضادة لقيم الرأسمالية الغربية، وعند السوفييت كان هناك الفستان الاشتراكي الرسمي للنساء، وهو أشبه باليونيفورم ويحيل إلى إلغاء الطبقية بمفهومها الاشتراكي.
لويس الرابع عشر ملك فرنسا هو صــــاحب فكرة الموضة المتغيــــرة باشتراطه تبديل الأزياء كل عامين، لدرجة أنه وضع قانوناً ينص على إلزام من يدخل قصره من الوجهاء بارتداء آخر صيحات الملابس المنتجـــة في مصانعه الحكومية بعد أن قام بإنشـائها وأغلق باب الاستيراد الخارجي، وفي كتابه: "مملكة الموضة" قال جيـل ليوفتسكي: إن ظهورها لم يأتي لأسباب اقتصادية خالصة، وإنما حركته دوافع اجتماعية، وتحــــديداً في مسألة المنافســــــة ما بين (الطبقة الأرستقراطية) التي تمثـل أصحاب الأملاك و(الطبقة البورجوازية) ويمثلها أصحاب التجارة والاستثمارات والمصانع، قبل أن يفتح الباب لكل أحد في أواخر القرن التاسع عشر.
الموضة أو الأزياء قوة مؤثرة جداً، فقد استخدمتها أميركا لاختراق المجتمع السوفيتي، والتسويق للقيم وأسلوب الحياة الأميركي ضمن ما عرف وقتها بـ(حرب النايلون)، وأذواق الناس وأزياؤهم ليست قراراً شخصيـــــاً أو ذاتياً مثلما يبدو بل تتحكم فيه شــــــركات عالمية تقوم برسم الذائقة العـــــامة لمعظم الناس، ومن الشواهد أن الجينز الممزق والمهترئ لو نظر إليه شخص جــــــاء من عام 1920 لاعتقد أن من يلبسه فقيـــــر أو محدود الدخل، بينما هو في هذه الأيام يمثل آخر صيحات الموضة، ولا يستبعد أن يكون سعره أعلى من الجينز السليم.
يوجد قرابة 230 سعودياً يعملون في مجــال الأزياء، والمجتمـــع السعودي يبقى دائماً مهماً للأزياء المحلية، ولكنــــه ليس المستهدف الوحيــــد، وقـد أقيم في الرياض أسبـوع للمــــوضة في أكتـــوبر 2023 بمعرفة هيئـــة الأزياء، وضــــم نحو 30 علامة تجارية سعـــودية، بالإضافة إلى توسع واضح في المبيعات الرقمية شمل أوروبا وآسيا وأميركا، والسابق ضروري لدحض ما يعتقده بعض مصممي الأزياء السعوديين من عدم صلاحية هذه الأزياء للتصــــدير الخارجي أو لغير السعوديين وأهــــــل الخليــــج، وأن من يقـــــوم بشــرائها من الأجانب والعرب يستخـــدمها كدليــــل إثبـات على زيارة المملكة أو من باب التندر والفكاهـة، ولا أعتقد بصحة هذا الكلام، وأتصور أنه أقرب إلى جلد الذات وتقزيم المنجزات الجديدة، بخلاف أن بعض التجارب الفاشلة قديماً لا يمكن تعميمها ولا تقبل القسمة إلا على نفسها.