أكد لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي وقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون القلق الفرنسي الكبير جدا من توسيع إسرائيل حرب غزة إلى لبنان، إذ يتوقع جزء من الطبقة المسؤولة الفرنسية هجوماً إسرائيلياً على لبنان فيما يرى جزء آخر أن إسرائيل ستستمر في قصف الجنوب اللبناني حيث قتلت عدداً كبيراً من عناصر "حزب الله" ودمرت منازل وبنية تحتية وأجبرت عشرات الآلاف من سكان قرى الجنوب على النزوح.
دعوة ماكرون المسؤولين اللبنانيين إلى باريس سعت إلى مناقشة الخطة الفرنسية لوقف إطلاق النار في الجنوب وتهدئة الوضع على هذه الجبهة، وطلب ماكرون من ميقاتي بصفته رئيس حكومة مسؤولا أن يدفع "حزب الله" إلى عدم الاستمرار في ربط القصف على إسرائيل بحرب غزة كما يعمل ماكرون مع الأميركيين لتهدئة الجيش الإسرائيلي أيضا على هذه الجبهة. وقد طلب ميقاتي من ماكرون بعض التعديلات على الورقة الفرنسية التي تمت الموافقة عليها سابقا من الجانبين اللبناني والإسرائيلي من دون أن تنفذ.
ومما طلبه ميقاتي إزالة بعض التعابير من الورقة مثل الترتيبات الأمنية بين إسرائيل ولبنان لأن الجانب اللبناني لا يوافق على مثل هذه الترتيبات. كما أن الجانب اللبناني لا يرى أن من غير المفيد الإشارة إلى انسحاب "حزب الله" 10 كيلومترات من الخط الأزرق الحدودي، بل إعادة تموضع للجميع من "حزب الله" إلى الجيش اللبناني إلى اليونيفيل وتنفيذ القرار الدولي 1701 من الجميع. وقد وعد الجانب الفرنسي بإجراء تعديلات في الورقة وتوجيهها مجددا إلى اللبنانيين على أن يجري ميقاتي اتصالاته بـ"حزب الله" بشأن هذه التهدئة، كما التزم ميقاتي لماكرون أن يرد عليه في الأيام المقبلة بعد إجراء استشاراته حول الموضوع.
تجدر الإشارة إلى أن وحدها فرنسا تتكلم مباشرة مع "حزب الله" حول الموضوع، وسبق للحزب الرد بأنه مستعد للتحاور، لكنه لن يوقف القصف على إسرائيل قبل أن تتوقف عن حربها على غزة، وماكرون أراد تحميل ميقاتي مسؤولية إفهام الحزب خطورة ما يقوم به، في الوقت نفسه تقوم فرنسا بالاتصالات مع الجانب الإسرائيلي بهدف التهدئة بالتنسيق الكامل مع الشركاء الأميركيين ومع مجموعة الدول الخمس التي يشارك فيها وزير الخارجية الفرنسي السابق جان ايف لودريان.
أما في موضوع الرئاسة اللبنانية، فماكرون مهتم جدا بأن يتم انتخاب رئيس وان تشكل حكومة، فيما يرى الجانب اللبناني أن انتخاب رئيس حاليا هو بمثابة معجزة بسبب عدم الاتفاق بين "حزب الله" والأحزاب المسيحية، وأيضا في ما بين المسيحيين أنفسهم، ولكن ميقاتي وعد ببذل المزيد من الجهود على هذا الصعيد.
وكان لودريان زار الولايات المتحدة حيث التقى للمرة الأولى المبعوث الرئاسي الأميركي إلى المنطقة آموس هوكشتين ولمس منه تفاهما مع الجانب الفرنسي على ضرورة التنسيق وعلى وحدة الحال في الخماسية حول ضرورة انتخاب رئيس.
كما أن ماكرون اتصل هاتفيا برئيس مجلس النواب نبيه بري بعد لقائه ميقاتي وقائد الجيش من أجل دفعه إلى حل مشكلة الرئاسة والانتخاب الرئاسي.
وتتساءل بعض الأوساط الفرنسية المعنية بالملف اللبناني عن سبب عدم قيام البطريرك الماروني بشارة الراعي بجمع كل الأطراف المسيحيين ليطلب من رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية أن يعلنوا أنهمغير مرشحين للرئاسة وأن ينتقلوا إلى الاتفاق على اسم آخر.
إلى ذلك لا تزال زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان لبنان مؤجلة إلى أن يطرأ جديد على الموضوع الرئاسي، لأن ليس هناك من تغيير لما سمعه حتى الآن من الأطراف اللبنانيين. ويذكر في هذا السياق أنه سبق للرئيس ماكرون أن تحاور مع وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن حول لبنان عندما زار بلينكن فرنسا قبل أسابيع وطالبه ماكرون بتكثيف التنسيق الأميركي الفرنسي في لبنان نظرا إلى أن التنسيق مع هوكشتاين لم يكن بالمستوى المطلوب بين الدولتين الحليفتين لأن هوكشتاين يعمل بنوع من العزلة، ووافق بلينكن كليا على ضرورة التنسيق الكامل إزاء لبنان وخصوصا لجهة حث الإسرائيليين على عدم توسيع الحرب إلى لبنان .
بالنسبة إلى العماد عون، كانت زيارته رئيس الأركان الفرنسي تييري بوركارد إيجابية، خصوصا مع انضمام رئيس الأركان الإيطالي الذي ترأس بلاده اليونيفيل وتقدم مساعدات للجيش اللبناني، ثم بلقائه الرئيس الفرنسي، إذ إن عون قدم خطة الجيش اللبناني لتحسين أدائه وتمكنه من الانتشار في الجنوب بعد أن يتمكن من الحصول الى مساعدات مالية تمكنه من زيادة عديده وتحسين رواتبه الجنود وكذلك على المزيد من التجهيزات. ووعد ماكرون قائد الجيش ببذل الجهود على الصعيد الدولي مع الشركاء ومنهم إيطاليا لتقديم المساعدات التي يحتاج إليها الجيش. وما زالت فكرة جمع مؤتمر دولي لمساعدة الجيش اللبناني موجودة لدى الرئيس الفرنسي لكن الجانب الفرنسي يبحث عن الوقت المناسب لجمع الدول المنشغلة بحربي أوكرانيا وغزة في مؤتمر دولي للحيش اللبناني.
في جانب آخر، وعد ماكرون ميقاتي بأنه سيعمل لزيادة الدعم للسلطات اللبنانية لمساعدتها على تحمل عبء اللاجئين السوريين والحصول على عودة الذين يتمكنون من العودة إلى بلدهم بالشروط الدولية، أي على أساس طوعي وإنساني مقبول. لكن فرنسا تدرك أن الكثير من اللاجئين الذين يغادرون لبنان يعودون في اليوم التالي إليه لأن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في سوريا مزرية.
إلى ذلك، أكد الاتحاد الأوروبي أنه ينتظر من لبنان إصلاحات اقتصادية ضرورية من اجل تقديم المساعدات وأن رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين ستزور لبنان قريبا لتوضيح هذه الأمور.
خلاصة هذه الزيارة أن فرنسا ما زالت الدولة الوحيدة المهتمة بشكل شبه يومي بالملف اللبناني وتبذل الجهود من أجل تجنيب البلد الحرب وتحسين أوضاع البلد، لكن المطلوب من الجانب اللبناني أن يساهم بجهوده الذاتية من أجل استقرار البلد وأمنه لأن التهديدات كبيرة.