إذا كان من حسنة تحسب لتلك الأعمال التلفزيونية التي تعرض في مواسم شهر رمضان والتي تترافق عادة مع الكثير من الاعتراضات والانتقادات الحادة وتبادل الاتهامات والدفاعات بين صناع العمل وأفراد المجتمع أو الصحفيين والنقاد، فإن تلك الحسنة هي إثارة ذلك الجدل أو النقاش، فالحياة العامة في مجتمعاتنا افتقدت لظاهرة النقاش والحوارات العامة، وإذا حدث وحصل أي نوع من النقاش فإنه غالباً ما يتركز على شؤون السياسة وكرة القدم والفن ووصفات الطعام!
نحن أمة تعيش في مجتمعات تفرز مشاكل معقدة بشكل دائم في علاقات أفرادها ببعضهم وبالآخر وبأوجه التغيير التي اجتاحت العالم، إضافة لتركة كبيرة من مشاكل حضارية عالقة منذ سنوات، ومع ذلك، فإننا بدل التصدي لمشاكلنا وأزماتنا الاجتماعية والسلوكية والثقافية، فإننا جميعاً كمجتمعات وكأفراد نقوم بترحيلها لليوم التالي على طريقة الشاعر امرئ القيس حين قال (اليوم خمر وغداً أمر)، وذلك عندما جاءه نبأ مقتل والده وهو غارق في ملذاته!
ترحيل المشاكل لليوم التالي، أو لما بعد، معناه الإقرار بالعجز عن الحل، ومعناه أننا لن نتصدى للمشكلة ولن نحلها، وأننا نراهن على الزمن دائماً، والحق أننا من أكثر الأمم التي تحتفظ بثقافة التعويل على الزمن (غداً تفرج/ الزمن كفيل بكل شيء/ تبات نار تصبح رماد/ غدا يوم آخر.. وهكذا، أما دورنا في التصدي والحل والمعالجة فآخر ما نفكر فيه، وهذا الأمر بدأ منذ قرون وليس وليد اليوم!).
ولأننا لا نتحاور بجدية وعلى قدر خطورة وأهمية القضايا التي تعترض حياتنا، نتيجة التغييرات التي تحدث ونتيجة تطور الحياة وظهور الاختراعات والاكتشافات والكثير من الفشل والتدهور في بنية التربية وأنظمة التعليم والتدريب والإعداد للأجيال الجديد، فإن صناع الدراما قد عثروا على ضالتهم وسط ذلك كله، فصاروا ينبشون في الماضي والحاضر وتفاصيل اليوم ويقومون بعرضها بمعالجات يبدو أنها لا ترضي الناس، لأنها تصطدم مع قناعاتهم وأفكارهم، من هنا نقول إن حالة النقاش والجدل في غاية الضرورة والأهمية لأنها تنفض هذا الجليد المتراكم وتدفع الناس للانغماس في شؤونهم بدل نفض أيديهم منها والفرجة عليها كأنها فيلم سهرة أمريكي وجد الفرجة فقط.