خلاف شديد نشأ بين حكيم الهند وزعيمها الذي قادها نحو الاستقلال المهاتما غاندي، وشاعرها الكبير طاغور. دعا غاندي إلى العودة للمغزل اليدوي الهندي، وإنتاج الأقمشة الهندية والتوقف عن استيراد واستهلاك الأقمشة الأجنبية، الإنجليزية بخاصة، والحيلولة دون استفادة المستعمر الإنجليزي من أسواق الهند في ترويج سلعه، وبلغ الأمر حدّ تنظيم حملات لإحراق الأقمشة الأجنبية.
كان لدى قطاعات أخرى من المجتمع الهندي رأي مختلف، وكان من أبرز دعاته الشاعر طاغور الذي رأى في العودة إلى المغزل اليدوي دعوة بدائية تعيد الصناعة في الهند إلى الوراء، فيما المطلوب هو العمل على تقدّمها ومواكبتها التقنيات الحديثة.
أثار موقف طاغور استياء صديقه غاندي، فبعث إليه رسالة أكدّ فيها أهمية أن يعود الهنود إلى مغزلهم اليدوي ليصنعوا ملابسهم بأنفسهم، وفيها قال مخاطباً طاغور: «عندما فقدنا مغزلنا فقدنا رئتنا اليسرى، ولذلك نحن نشكو الآن مرض السل، ولن نستطيع وقف هذا المرض حتى نُعيد المغزل». قال غاندي أيضاً: «من الخطيئة أن أشتري القمح الأمريكي في حين أن جاري الذي يبيع القمح الهندي لا يجد من يشتريه منه، كما أني أذنب ذنباً إذا اشتريت الأقمشة الإنجليزية الغالية مع أني أعرف أني لو اشتريت القماش الذي غزله ونسجه عمال هنود فإني أستطيع أن أكسو نفسي وأكسوهم». وفي نوعٍ مبطن من السخرية قال غاندي لطاغور: «ملايين الهنود تطلب قصيدة واحدة من الشعر، هي الطعام المُقوي، وهم ليسوا قادرين على أن ينالوه، ولن ينالوه إلا بالعمل الذي نقدّمه لهم».
لم تقف الدعوة إلى المقاطعة عند حدود الأقمشة والأطعمة، وإنما شملت الدعوة إلى مقاطعة الثقافة الأجنبية. روى طاغور أن طلاباً أتوه يوماً ليقولوا: إن طلبت منا أن نترك كلياتنا ومدارسنا عملاً بمنهج المقاطعة فسنفعل. أثار ذلك فزع طاغور من أن تؤدي دعوات مثل هذه إلى عزلة الهند عن الثقافة العالمية والتعليم الحديث، وحين أفصح عن مخاوفه هذه لغاندي أجابه الأخير: «إن حركتنا هي اعتزال في أنفسنا، ولكنه اعتزال إلى حين لاستجماع قوانا قبل جعلها في خدمة الإنسانية».
كان غاندي محقاً في ما قال، وكان طاغور محقاً في مخاوفه. وخير من تناول هذا الموضوع من كتّابنا العرب كان الراحل رجاء النقّاش الذي كتب يقول: «أراد طاغور ترجمة روح الهند إلى روح إنسانية عالمية، وأراد غاندي ترجمة الروح الإنسانية العالية إلى روح هندية».
انتصر غاندي واستقلت الهند بحركة المقاطعة، فيما كانت نظرة طاغور هي التي على خطاها سارت الهند بعد الاستقلال الذي ما كان ممكناً لولا منهج غاندي. الاثنان كسبا الرهان.